إخفاق إخواني سيكون له ما بعده بقلم : فيصل جلول

إخفاق إخواني سيكون له ما بعده  بقلم : فيصل جلول
إخفاق إخواني سيكون له ما بعده بقلم : فيصل جلول

إخفاق إخواني سيكون له ما بعده

بقلم : فيصل جلول

في 21 إبريل/ نيسان عام 1997 بادر الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك الذي انتخب رئيساً للجمهورية قبل عامين من تاريخه إلى حل  البرلمان الفرنسي الذي يتمتع فيه حزبه والتيارات اليمينية المتحالفة معه بأغلبية ساحقة . كانت حجة الرئيس في حل البرلمان أنه ينطوي على انعدام توازن بين اليمين واليسار مضر بالديمقراطية ومشجع على طغيان فريق على الحياة السياسية في فرنسا . خسر شيراك الانتخابات المبكرة ونجح اليسار في الحصول على أغلبية مقاعد الجمعية الوطنية وبالتالي تشكيل حكومة يسارية تعايشت مع الرئيس الديغولي طيلة الفترة المتبقية من ولايته الأولى .

وفي تاريخ سابق، أي في العام 1969 كان الجنرال شارل ديغول قد اعتزل العمل السياسي إثر استفتاء فاشل حول منسوب الثقة به وبسياسته، علماً انه كان قد فاز بالانتخابات البرلمانية وكانت شرعيته الدستورية أكثر من ثابتة وغير قابلة للنقاش . وفي تاريخ لاحق أي في العام 2002 فاز جاك شيراك بأصوات اليمين واليسار في مواجهة مرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبن، ووصلت نسبة فوزه إلى أكثر من 82 بالمئة، فبادر إلى انتهاج سياسة لا تستجيب فقط لمصالح اليمين كما جرت العادة وإنما أخذ بعين الاعتبار مصالح اليسار وعين شخصيات يسارية في مناصب رفيعة .

وفي سياق الأمثلة الكثيرة حول التجربة الديمقراطية في فرنسا بادر الرئيس شيراك نفسه إلى إقالة وزير التربية في ولايته الأولى من دون أن يكمل عاماً واحداً في وزارته لأن نحو مليون متظاهر نزعوا ثقتهم عنه ونزلوا إلى الشوارع احتجاجاً على مشروع قانون لإصلاح السياسة التربوية  . والثابت في فرنسا أن الحكومات تتصرف وفقاً لاتجاهات الرأي العام التي تعكسها استطلاعات الرأي بحيث لا يحكم الحاكم على الضد من إرادة شعبه وإنما وفقاً لمؤشراتها مع أو ضد السلطة .

ثمة من يرى أن مصر ليست فرنسا، وأن الديمقراطية المصرية ناشئة وبالتالي لا يجوز قياسها إلى ديمقراطية عريقة ومعمرة وهو قول صحيح في الفروع وليس في الأصول، فالأصل هو أن يمارس الحاكم في مصر وفي فرنسا وفي كل الدول التي اختارت النظام الديمقراطي حكمه مسترشداً بإرادة الشعب في كل الظروف وليس فقط بتلك الإرادة لحظة صندوق الاقتراع ذلك أن الصندوق يعطي الحاكم رخصة للحكم لمدة معينة ولا يمنحه حقاً مطلقاً . حتى إذا ما تغير اتجاه الرأي العام الذي منح الحاكم رخصة الحكم خلال ولايته فهو ملزم كما رأينا في مثالي شيراك وديغول بأخذ هذا التغير بعين الاعتبار وبالتالي تغيير سياسته وإبداء الحرص على التوازن الديمقراطي والاستقرار الوطني .

لم يعبأ الرئيس محمد مرسي بهذا النوع من الحجج عندما ظهرت البوادر الأولى للاحتجاج على حكمه الفاشل على غير صعيد وكان يرد على خصومه متحصناً بصندوق الاقتراع “انتخبت لأربع سنوات ولا أمشي إلا في نهايتها . شرعية الرئيس من صندوق الاقتراع وليس من غيره . هذه قواعد اللعبة وعلى الجميع احترامها” . ولعل مشكلة الرئيس وفريقه في الحكم أنه ينسى أو يتناسى أن اللعبة الانتخابية قائمة على اعتراف فرقائها ببعضهم بعضاً واعترافهم بنتائج صناديق الاقتراع فإن كفوا عن الاعتراف فقدت اللعبة توازنها وصار الرئيس حاكماً ليس بإرادة الشعب وإنما على الضد من قسم وافر من خصومه كما هي الحال اليوم في مصر .

لقد تعدى موقف الإخوان من الشريك المصري الآخر في اللعبة الديمقراطية حدود الاعتراض على سياسته ورفضها وصولاً إلى شتمه وتجهيل دوره وتشويه وسائله بالتعبير عن نفسه كما فعل الدكتور عصام العريان نائب الأمين العام لحزب الإخوان المسلمين وزعيم الأكثرية الحاكمة في مجلس الشورى حيث قال عن تظاهرة 30 يونيو/ حزيران المليونية المتعددة “شكراً لله على رد كيد البلطجية إلى نحورهم وصد مؤامراتهم التي كانوا يخططون لها في 30 يونيو/ حزيران، حفظ الله مصر من مدعي الوطنية” ودائماً بحسب عصام العريان وفق حسابه الشخصي على تويتر .

عندما يصبح الشريك في اللعبة الديمقراطية بلطجياً تفقد اللعبة توازنها وينتقل التحكيم الديمقراطي من المؤسسات وهي معطلة ومسدودة في مصر إلى الشارع حيث التحكيم بالعنف أو العصيان المدني أو بالمليشيات والتهديد بالحرب الأهلية .

الشارع ومن المنتظر أن يؤدي انحيازه إلى حسم نتائج اللعبة السياسية في غير مصلحة الإخوان المسلمين وإن صح ذلك وتأكد فمن المنتظر أن تطوى صفحة التيار الإخواني بهذا القدر أو ذاك، وبهذه الطريقة أو تلك، ليس فقط في مصر وإنما في مجمل الوطن العربي، ولعل السيدة توكل كرمان وهي من الوجوه الشابة للإخوان المسلمين في صنعاء قد استشعرت ذلك مبكراً، إذ حملت على المرشد العام للإخوان في مصر وطالبت بإقالته وإقالة الرئيس مرسي بيد أن هذا الاستشعار قد لا يكون كافياً لانقاذ الإخوان اليمنيين من إخفاق لا يقل خطورة عن إخفاق التيار الأم في مصر .

قد يكون من المبكر الإجابة عن سؤال ماذا بعد الإخوان المسلمين في مصر وفي العالم العربي، بيد أن ما يسهل توقعه منذ الآن هو أن الرئيس مرسي والمرشد العام الدكتور محمد بديع قدما نموذجاً سيئاً من “الإخوان” في الحكم وخارجه .

أغلب الظن أن الإخوان عموماً والمصريين بخاصة قد أخطأوا في تولي الحكم في بلدان الربيع العربي بشروط من سبقهم وبسياسات خارجية موالية للولايات المتحدة وحلفائها وهي سياسات لا تتناسب ولا مع الثقافة السياسية الشعبية في العالم العربي التي لا تتحمل أخلاقياً على الأقل أن يحكم إخواني مصر العربية بشروط حكم مبارك بل بأقل منها، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مواقف مصر من سوريا والفتنة المذهبية والالتحاق بسياسات خارجية مشوهة .