مصر تكتب تاريخها من جديد بقلم : خيري منصور

مصر تكتب تاريخها من جديد  بقلم : خيري منصور
مصر تكتب تاريخها من جديد بقلم : خيري منصور

مصر تكتب تاريخها من جديد

بقلم : خيري منصور

فيما يتصاعد السجال السياسي والأمني ​​حول الأنفاق التي لا يعرف أحد عددها بدقة بين مصر وغزة، يبقى النفق الأكبر الذي تعبره مصر إلى مصر هذه المرة وليس إلى أي مكان آخر هو بيت النار وليس بيت القصيد أو النشيد.

والأنفاق عندما تكون من هذا الطراز ليست ذات صلة بتهريب البضائع والأسلحة بل بمصير بلاد طالما كانت فاعلة أكثر مما هي منفعلة سياسيا ودبلوماسيا على الصعيد الإقليمي. وإذا كان الراحل عرفات من أكثر الذين استخدموا مصطلح النفق المظلم قد أضاف بأنه يرى الضوء في نهاية النفق الطويل، إلا أن الناشطين المصريين من مختلف الأطياف باستثناء الطيف الحاكم الآن لا يرون مثل هذا الضوء في نهاية النفق، بعد أن تفاقمت الأزمات وتعاظم الخلاف بحيث أصبح ينذر بما لا يسر غير أعداء مصر التاريخيين.

إن مصر الآن تبحث عن مصر أولا وتسعى إلى بلوغ الشاطئ الآمن لكن بعد رحلة شاقة تتراجع أمامها حكاية البحار التائه.

وكان يمكن لخطاب رئاسي لمناسبة مرور عام واحد أن يكون مناسبة لاستدراكات عدة، منها ما يستبق الحراك الموعود في الثلاثين من هذا الشهر، لهذا كان السؤال الأبرز والأكثر تداولا في الإعلامين المصري والعربي هو هل أدى خطاب الرئيس إلى التهدئة، وبالتالي إقناع أعداد غفيرة من المصريين في العدول عن الخروج إلى الميادين؟ أم أنه كان بمثابة صب الزيت على النار، بحيث تزداد أعداد هؤلاء الذين لم يجب خطاب الرئاسة عن أسئلتهم.

النفق الأكبر الذي تعبره مصر لا يقل عسرا ومشقة عن عبور القناة في حرب رمضان عام، 1973 وها هي ذكرى تلك الحرب المقترنة بالصيام تدق الأبواب، لكن ما يقرع من الطبول ليس استذكارا لانتصار بل هو تصعيد وتوتير يشمل مصر كلها، خصوصا بعد أن أضاف النيل بما يتعرض له من أخطار إلى هذه الدراما بعدا بالغ الخطورة والتعقيد.

ولو كان عدد الأنفاق قليلا ويقارب عدد الأهرامات لقلنا إن هذا النفق هو الأكبر، لأن تسعين مليون مصري يجدون أنفسهم الآن أمام سؤال طالما تأجل أو تهربت أحزاب وحراكات من الإجابة عنه، وهو سؤال المصير.

 كانت ظهيرات يناير 2011 بكل صقيعها الجغرافي وحرارتها التاريخية وعدا بمصر أقل شقاء وأقل ارتهانا، وظهر ثالوث شعارها بدءا من الحرية حتى الكرامة مرورا بالرغيف، كما لو أنه أقانيم جديدة رغم أنها تعتقت في الذاكرة المصرية ألفيات عدة.

 الآن تستدعي مصر وهي تعبر هذا النفق فصاحة فلاحها وأوسمة جنرالاتها وما حلم به طويلا مثقفوها وأكاديميوها وناشطوها.

 ذلك لأن العبور الآن نحو مصر ذاتها، فهي على مفترق بين طريق يوصلها إليها وطريق آخر يورطها في تيه لا آخر له ولا بوصلة.