تقاويم مدهونة بالدم بقلم : خيري منصور

تقاويم مدهونة بالدم  بقلم : خيري منصور
تقاويم مدهونة بالدم بقلم : خيري منصور

تقاويم مدهونة بالدم

بقلم : خيري منصور

لن يكون الثلاثون من يونيو / حزيران مجرد يوم آخر في التقويم المصري. لكنه أيضا لن يكون اليوم الحاسم في تاريخها. وبعيدا من التهوين والتهويل فإن ما سوف يحدث لن يكون طارئا، أو استثنائيا من الناحية النوعية، فالفوارق الآن بين المناسبات والأيام كمية فقط، مادامت الاعتصامات والتظاهرات تقاس بالأرقام فقط، فهي ألفية أو مليونية، لكن تظاهرة من عشرة أشخاص فقط قد تكون بالغة الأهمية إذا احتكمنا إلى شعاراتها والوعي المحرك لها. لكننا على ما يبدو أصبحنا أسرى تقاليد وأدبيات وافدة من ملاعب كرة القدم، ومنطق المباريات هو الذي يتحكم في السجال السياسي، لأن البعد الثالث أو ما يسمى الطريق الثالث لايزال وعرا وغير معبد، والفقه السائد هو ثنائي بامتياز، فإما أن تكون هنا في هذا الخندق، وإما هناك في الخندق المقابل والمضاد.

وما يسمى في ثقافتنا السياسية "المؤعلمة" والمعولمة معا، الليبرالية هو تعبير مجازي، لأن الليبرالية ليست مجرد منطقة رمادية بين الأبيض والأسود، إنها نتاج ثقافة تبلورت فيها شخصية الفرد ونال الاعتراف في مجتمعه بحقه في الاختلاف، لكن المصطلحات الآن تتداول بخفة وبمعزل عن سياقاتها الحضارية الأصيلة.

حتى الديمقراطية تعالج بهذه الخفة وبأساليب إنشائية لأنها معزولة عن أنماط إنتاج اقتصادية وتربويات وتكوينات اجتماعية.

لقد مرت مصر شأن العديد من شقيقاتها العربيات بأيام وصفت بأنها فارقة وحاسمة وتشطر التاريخ إلى ما قبلها وما بعدها، لكن الحقيقة بخلاف ذلك، فالمجتمعات العربية التي خلخل نسيجها الحراك الذي راوح بين فقدان البوصلة والتعبير العفوي عن فائض المكبوت، أصيبت بإرهاق عاطفي، ذلك أن من أفرطوا في الوعود لم يلتفتوا حولهم وتحت أقدامهم كي يقيسوا ما يمكن تحقيقه.

والإرهاق العاطفي، كما يقول علماء النفس، يأتي من طول الانتظار والترقب، عندما تتسع المسافة بين الرغبات والقدرات.

يضاف إلى ذلك شخصنة الصراع من جهة وأدلجته من جهة أخرى بحيث يصبح الوطن أخيرا وليس أولا، رغم أن الصراعات السياسية في المجتمعات المعافاة بين النظم والمعارضات لها مصب واحد هو مصلحة البلاد، لكن حين تتحالف الشخصنة مع الأدلجة يكون هذا الحلف لغير مصلحة الوطن، لأن لكل طرف ليلاه أو كما يقال في الحكاية المعروفة عن اقتسام الصبي. ما من طرف هو الأم الحقيقية له.

لم يبق يوم على امتداد السنة في تقاويمنا العربية ليس مكرسا لمناسبة، لهذا لن يكون أي يوم قادم هو خلاصة التاريخ أو النهار الفاصل الذي تولد من ظهيرته مرحلة منقطعة عما سبقها.

إن لكل المراحل الانتقالية عمرا تقريبيا، ما إن تتخطاه حتى تكون الفوضى قد استشرت وبالطبع لن تكون خلاقة على الإطلاق.