التسليح وبؤس التنظير-- بقلم : عدلى صادق

التسليح وبؤس التنظير-- بقلم : عدلى صادق
التسليح وبؤس التنظير-- بقلم : عدلى صادق

الفزعة الأميركية لتسليح المعارضة المسلحة في سوريا، تعكس مظنة التماهي بين انتفاضة السوريين، وأميركا الفاقدة للنـزاهة والود للعرب، والكارهة لكل مطلب للحرية. فالأميركيون، منذ بداية الثورة، لم يسجلوا أي رد فعل، على استهتار النظام بكرامة الناس ووحشيته مع الأطفال، في حادثة اعتقال الفتية الخمسة عشر من درعا، بعد أن كتبوا على جدار مدرستهم يوم 26 شباط 2011 شعارات تطالب بالحرية. لقد اقترفت السلطة التي تحتقر المجتمع، جريمة تعذيب أطفال، لم يفعلوا شيئاً سوى المطالبة بالعدالة؛ وأهدرت كرامة ذويهم الذين لم يكتبوا شيئاً على جدران منازلهم. لقد استحث سلوك النظام، غضباً عارماً، دفع الشخصيات من المجتمع المدني في دمشق وحمص، الى المشاركة في تظاهرة التنديد بذلك السلوك الفظ والفاقد لأدنى معايير الإنسانية. وما أن هتف المشاركون في تظاهرة درعا، تنديداً بالقمع والاستبداد والفساد وكبت الحريات، حتى واجههم النظام بالرصاص، مع الاتهام السخيف، بالضلوع في "مؤامرة امبريالية" ضد "الممانعة" ولمصلحة إسرائيل.

 وفاقم ذلك الاتهام غضب الناس لتبدأ فعاليات الشباب على صفحات التواصل الاجتماعي. كان ذلك طبيعياً عندما يتطاول نظام فاسد، ومستبد، ومتخلف، لا يقاوم ولا يمانع ولا يحقق خطوة الى الأمام، في تحديات التنمية والديموقراطية والوئام المجتمعي واحتلال الجولان واحترام المواطنة، وينصّب نفسه صاحب الحق الحصري في شرف الوطنية والمقاومة والتكفل بوحدة أراضي البلاد ووحدة شعبها.

جنود النظام، كتبوا منذ البداية على الجدران، معادلتهم الوحيدة التي دمرت سوريا "إما الأسد، أو نحرق البلد" ذلك على الرغم من أن إسرائيل، صاحبة المصلحة المفترضة من الانتفاضة (وفق الاتهام) ليست عاجزة عن تصفية بشار، خلال دقائق، وتجنيب سوريا والشعب المتهم بالعمالة لها، كل الويلات التي تعرض لها. بالعكس، اسرائيل تراجعت عن تدابير استراتيجية متفق عليها مع الأميركيين، لاعتراض شحنات السلاح التي يتلقاها النظام السوري و"حزب الله". 

الأميركيون، تركوا الشعب العربي السوري يُذبح لنحو 28 شهراً حتى الآن. وقد تداعت الأحداث بشكل مرعب يحرق القلوب، إذ كانت التظاهرة السلمية تُقصف، فيسقط الشهداء، وعند تشييع الذين سقطوا، كانت الجنائز تُقصف، للمرة الأولى في تاريخ البشرية، وبالتالي نشأت ظاهرة المقاومة المسلحة، التي تشكلت من ضباط وجنود فارين، رفضوا إطلاق النار على شعبهم، لينفتح بعدئذٍ بطن سوريا لكل ذي مأرب.
ظل المقاومون مكشوفين ومفتقرين للذخائر. وكل ما فعله الأميركيون، خلال المراحل التي تخللتها مذابح جماعية وفظائع، هو منع تسليح المعارضة وتطيير التصنيفات لبعض فصائلها، وبيع البعض الآخر تأييداً فارغاً. لم يتحمسوا للمساعدة، إلا بعد أن دق ناقوس خطر السلفية الجهادية، التي تتدبر لنفسها سلاحها وعتادها وتنمو. عندئذٍ، بات الأميركيون بصدد عدو شديد المراس، يقترب من إسرائيل، ولا سيطرة لطرف إقليمي عليه ولا قدرة لطرف على كبحه (مثلما يُكبح "حزب الله") وبالتالي كان الخيار الطبيعي، هو مساندة "الجيش السوري الحر" الذي يقاتل من أجل سوريا ديموقراطية لكل السوريين .

وبالطبع، يأمل الأميركيون، في تأسيس علاقات ودية، مع القوى التي تتلقى المساعدة الاضطرارية، والتي يمكن أن تنتصر وتمثل إرادة الشعب السوري بعد إسقاط النظام. والحماسة الأميركية، هي الخيار المحتم لتلافي الأسوأ وهو السلفية الجهادية، التي ازداد خطرها في ناظر الأميركيين، عندما اقتربت، وباتت تمارس نوعاً من الانقلاب للسيطرة على الحكم فيما تيسر من المناطق، وفي محاولة ترسيخ تواجد شرعي لها، في مستقبل سوريا!

أما مساندة الأنظمة العربية التقليدية للثورة السورية، معطوفاً عليها، مساندة نظام الحكم في تركيا، فإنها تُعتبر في لغة النظام ومحججاته الخشبية، وفي لغة المتعاطفين معه من القومجيين العرب، برهاناً على صلة الثورة بالإمبريالية. لكن صلة النظام وعلاقاته الوثيقة، مع العرب في الخليج، في مراحل سابقة، كانت قومية وعروبية وحميدة. فالنظام الأسدي تأسس أصلاً، بعد ما سماها "حركة تصحيحية" في تشرين الثاني (نوفمبر) 1970 على قاعدة التبرم من تشدد من سبقوه حيال الأنظمة العربية بكل توجهاتها، وظل يباهي بعلاقاته العربية، منذ أن انقلب على "الرفاق" أصحاب الفضل عليه، وبطش بهم واغتالهم أو تركهم يموتون في السجون، مروراً بتنفيذ أجندة الأميركيين ضد الثورة الفلسطينية وشعبها في لبنان، ثم مشاركته الأميركيين في "حفر الباطن" وانتهاءً بالتحابب الشخصي بين بشار وأمير قطر، وتناغم الرجلين، في مواقفهما، حتى من الملف الفلسطيني، وفي دعم "حماس" وإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية. أما الوئام مع تركيا الأردوغانية، فإن النظام هو الذي ابتدع وأجزل المديح لما رآه "عثمانية جديدة حميدة".


يصح القول إن مساندة أي طرف، للثورة السورية، لا يعني أن هذه الأخيرة تتماهى معه. 
في خضم أحداث الثورة السورية، يتلقى الأسد الآن، مساندة من أطراف أوروبية يمينية شديدة الكراهية للعرب وللمسلمين، ولديها نزعات عنصرية وإمبريالية لا مثيل لها عند الحكومات. فمن بين الوفود الزائرة للأسد، تضامناً، وفد أقصى اليمين، "الجبهة الوطنية الفرنسية" التي أسسها جان ماري لوبين، عدو الفرنسيين من أصول عربية، المتأسي على "فقدان" الجزائر. ومن بين الذين تضامنوا مع الأسد نيك غريفين، زعيم "الحزب القومي البريطاني" اليميني المتطرف المدان قضائياً في قضايا تمييز ديني وعنصري ضد العرب والمسلمين، والقائل صراحة "إنني كقومي بريطاني، من الطبيعي أن أكون مؤيداً لإسرائيل، مئة في المئة، في كل ما تفعله". وزار بشار، متضامناً، وفدٌ برلماني من Jobbic الفاشية، وهي "الحركة من أجل هنغاريا أفضل"، ناهيك عن زيارات "حزب الجبهة الوطنية" البلجيكي الفاشي، والحزب الطلياني "شعلة الألوان الثلاثة".

فهل نعُد مساندة نيك غريفين حبيب إسرائيل، لبشار الأسد، دعماً للمقاومة والممانعة، بينما عرب الخليج، المتحسبون المتحسسون من الهيمنة الإيرانية، ومن النزعة الطائفية التي تتهددهم، وهم إخوة السوريين؛ نوعاً من المساندة الإمبريالية؟ يا لبؤس التنظير.