ربيع الدم والانقسامات بقلم: أمين محمد أمين

ربيع الدم والانقسامات  بقلم: أمين محمد أمين
ربيع الدم والانقسامات بقلم: أمين محمد أمين

ربيع الدم والانقسامات

بقلم: أمين محمد أمين

يتكرر نموذج عرقنة بلاد الشام لتلحق بانفراط عقد بلاد الرافدين لماذا انطلقت ثورات ما عرف ب "الربيع العربي"؟ هل من أجل أهدار المزيد من دماء شعوبها وتقييد حريتها وتقسيم المجتمعات تمهيدا لتقسيمها إلي دويلات متصارعة علي أسس دينية وعرقية ومذهبية؟ أم أنها انطلقت لتحقيق الشعارات المخلصة التي انطلق بها شباب الثورة (قبيل أن تسرق التيارات الإسلامية السنية ثورته) داعيا لتحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتي لم تتحقق بكل أسف بعد مرور أكثر من عامين علي انطلاقها وعام علي تولي الإسلاميين الجدد مقاليد الحكم في دول الربيع والتي تواجه جميعها بلا استثناء موجات من الغضب والتمرد الشعبي لوجودها واستمرارها في الحكم. ولعل ليس أدل لما وصلت إليه دول الربيع ما عبر عنه مانشيت جريدة الأهرام المصرية يوم الاثنين الماضي (يوم عربي دام في اشتباكات وسيارات مفخخة) (مئات القتلي في سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر والصومال والسودان .... الخ والبقية تأتي) المهم هو سيناريو قتل الأبرياء من أبناء الشعوب الذين تجرءوا وانطلقوا بعد طول انتظار علي حكامهم الديكتاتوريين السابقين والتي كشفت أيام الحكام الجدد أنهم كانوا ملائكة مقارنة بسارقي الثورات من الإسلاميين الجدد. وإذا كانت ثورة الياسمين في تونس الخضراء فتحت شهية الشعوب المقموعة للثورة من أجل حياة أفضل ولكن سرعان ما انقض علي أحلام الشباب والشعب الثائر التيارات الإسلامية المتعددة وفي مقدمتها حزب النهضة برئاسة راشد الغنوشي إلي جانب السلفيين والجهاديين وغيرهم ممن سارعوا لتقسيم أمة لا الله إلا الله بالإضافة إلي السياسيين المطاردين من الرئيس الأسبق الذي حكم بالحديد والنار ولكنه حافظ علي أمن ووحدة الشعب التونسي المفقودة علي مدي العامين الماضيين علي الرغم من تميز التجربة التونسية عن الثورات اللاحقة في مصر وليبيا واليمن وغيرها، وذلك نتيجة البداية السليمة بانتخاب لجنة تأسيسية لإعداد الدستور توافقي يجمع كل الفرقاء دستورا لكل التونسيين وأن لا تكون الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي والوحيد للتشريع وأن لا يحتكر فصيل سياسي الوزارات السيادية القومية وأن تجاهل التوافق الوطني في المرحلة الانتقالية هو فتح الباب للفوضى الهدامة والفشل السريع ولابد أن تستمر روح التوافق وتنفرد التجربة التونسية بانتخاب رئيس مؤقت من غير حزب الأغلبية في ترويكا فريدة جماعية للحكم دون تفكيك لمفاصل الدولة المدنية كما يحدث في مصر وغيرها، وهذا يعود بالدرجة الأولي إلي الفهم السليم لزعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي لروح العصر أكثر من غالبية قادة الحركات الإسلامية بدءا من حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين التي مزقت المجتمع المصري الموحد بهلاله وصليبه منذ ثورة 1919 إلي حسن الترابي زعيم المؤتمر الإسلامي في السودان والذي أدي تشدده وتطبيقه للشريعة الإسلامية إلي الإسراع بانقسام وانفصال جنوب السودان عن شماله ولم تتوقف بعد مسلسل الانقسامات المنتظرة المهم أن الغنوشي الوحيد بين قوي الإسلام السياسي الجدد الذي حال دون حدوث استقطاب وانقسامات حادة في المجتمع التونسي بقبوله التحالف مع العلمانيين بعد سقوط بن علي واعتبارهم شركاء أصليين في الترويكا الحاكمة رغم حصوله علي الأغلبية في صناديق الانتخابات. ولم ينكر عليهم دينهم وحقوقهم السياسية كما فعلت جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر! الغنوشي أدرك أن المرحلة الانتقالية تتطلب توافقا وطنيا ومشاركة فعالة من جانب كل القوي السياسية مع اختلاف اتجاهاتها وتوجهاتها بعيدا عن محاولات الاستحواذ وتفكيك مفاصل الدولة المدنية ورغم ذلك ما تزال الموجهات الأمنية مستمرة مع السلفيين وغيرهم من التيارات الإسلامية والليبرالية المعارضة لحكم النهضة المتستر تحت الترويكا الصورية والتي دعت الرئيس المدني الليبرالي المنصف المرزوقي إلي تقديم استقالته احتجاجا على تدخلات أعوان النهضة وعدم تحقيقهم بعد للأمن والاستقرار المفقود إلي جانب القبضة الحديدية التي تمارسها قوات الأمن ضد المتظاهرين المطالبين بتحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي من أجلها أشعل مفجر الثورة والثورات العربية بوعزيزي النيران في جسده احتجاجا علي ظلم الدولة المستمر إلي الآن وراح ضحيتها المئات من بوعزيزي من أجل حياة أفضل ولكنها لم تتحقق بعد مرور أكثر من عامين علي اندلاع الثورة التي هبطت بكل موارد الدولة وضاعفت من أعداد العاطلين من الشباب وغيرهم مع انحصار السياحة وغيرها من الموارد التي كانت تدعم الاقتصاد التونسي علي الجانب الأخر نجد أن ثاني ثورات الربيع العربي اللوتس بمصر سارت عكس اتجاه الثورة التونسية وان اتحدت في سرقة الإسلاميين الجدد الإخوان المسلمين والسلفيين والصوفيين والجهاديين وغيرهم لثورة الشباب السلمية ونجحوا بالدعم الأمريكي في إقناع المجلس العسكري لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ولمجلس الشورى قبيل إعداد دستور جديد للبلاد والنتيجة. حكم مصر من خلال مرشد جماعة الإخوان المسلمين ومكتب إرشاده بالمقطم وليس من قصر الاتحادية الذي تستعد القوي الشعبية بمختلف محافظات مصر بمطالبة الرئيس مرسي بالتنحي وجماعته وعشيرته عن حكم مصر المدنية في الذكري الأولي لتنصيبه في الثلاثين من شهر يونيو الحالي واستمرار موجات التمرد علي حكم الإخوان وسراب مشرعهم الوهمي لنهضة مصر وفشل محاولاتهم لفك مفاصل الدولة المدنية وأخونتها مع ارتفاع نسب البطالة والفقر والارتفاع الجنوني للأسعار والغياب الأمني ​​الكامل والانقطاعات المستمرة للكهرباء والمياه مع تداعيات مأساة سد النهضة الإثيوبي علي الأمن المائي المصري والتي لم تحسن حكومة الحرية والعدالة إدارتها كما أدت سياستها الخاطئة إلي سوء العلاقات مع العديد من الدول الشقيقة بالخليج وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة ومابين سقوط آلاف الشهداء والجرحى من شباب الثورة، وأخيرا فتح أبواب الجهاد للشباب المصري ضد نظام بشار الأسد وقطع العلاقات مع سوريا استجابة سريعة للقرار الأمريكي الغربي بدعم المعارضة السورية بالسلاح، وذلك في مؤتمر الأمة المصرية المفاجئ الذي نظمته الجماعات الإسلامية برعاية وحضور الرئيس مرسي مع جماعته وعشيرته متناسين وعودهم السابقة بتحرير القدس وعدم قطعهم للعلاقات مع إسرائيل هذه الصحوة المصرية الإخوانية ضد سوريا أرجعها غالبية المصريين إلي محاولات استعراض القوة التي يقوم بها الإخوان واستدعائهم لقيادات حماس المحظور دخولهم لمصر لدعمهم أمام موجات الغضب الشعبية التي ستلاحقهم وسط مخاوف من عقلاء الوطن أن تكون بداية لحرب أهلية مصرية بين أعوان "تمرد" الأغلبية و "تجرد" الأقلية ليتحقق لصانعي وداعمي التيارات الإسلامية السنية لحكم دول الربيع استعدادا للحرب الكبري الإسلامية بين السنة والشيعة واختفاء الدول العربية ألكبري وتقسيمها إلي دويلات ليتحقق الهدف الأكبر والأساسي للدعم الأمريكي لثورات الربيع للقضاء علي دولها بأيدي أبنائها للحفاظ علي مصالحها في المنطقة وضمان امن وتفوق إسرائيل وهو ما أكده محلل إسرائيلي من دعوته لحكومته (اتركوا العرب يقتلون بعضهم البعض واستريحوا). المؤسف أن الهدف يتحقق بصورة أعنف ودموية أكثر في ليبيا التي تحركت قوي من أجل نفطها لتحريرها من القذافي وأعوانه ولكنها تركت خلفا بحور يومية من الدماء الليبية الطاهرة تسال يوميا أمام ترسانة السلاح التي تستخدم في قتال الأبرياء وتهريبها للجهاديين الإسلاميين والتنظيمات الإرهابية في دول الجوار ومع عدم الاستقرار والغياب الأمني ​​يتم تقسيم ليبيا إلي دويلات بدأت بإعلان استقلال إقليم برقة. رابع دول الربيع اليمن الذي كان سعيدا منذ اندلاع ثورته وهو يقدم المزيد من الشهداء مع سوء أحواله المعيشية وانفصال الحوثيين والجنوب وسط معادلة سياسية غريبة سمحت للرئيس الأسبق علي عبد الله صالح الاستمرار لرئاسة الحزب الحاكم. قمة مأساة دول الربيع الدموية مجسدة منذ أكثر من عامين علي أرض بلد الصمود والتصدي سوريا التي قابل حاكمها الشاب الوريث مطالب شعبه السلمية بحربه وإبادته بديلا عن العدو الصهيوني المحتل لأرض بلاده بالجولان منذ عام 1973 إلي الآن والسعيد بما يمارسه بشار من إبادات جماعية وتهجير لشعبه وتحول الثورة السلمية إلي حرب إسلامية بين الطامعين في حكم سوريا من السنة والعلويين الحكام الحاليين المدعومين بقوة من إيران وحزب الله اللبناني والذي ينتظر أن تتغير مواقفهم مع رحيل المتشددين بقيادة الأحمدي نجاد وفوز المعتدلين بقيادة الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني الذي سيسلم مهام منصبه في أغسطس القادم والمخاوف من سقوط سوريا وتقسيمها قبيل هذا التاريخ ويتكرر نموذج عرقنة بلاد الشام لتلحق بانفراط عقد بلاد الرافدين والذي سيمتد إلي غالبية دول الربيع التي خدعت الأغلبية بأهدافها التي لم يحققها سارقي الثورات المتاجرين بدين الله الذي وحد الأمة وهم يعملون علي تمزيقها وتقسيمها بدماء أبنائها.