استرداد وطن واستمرار ثورة-- بقلم : يحيى رباح

استرداد وطن واستمرار ثورة-- بقلم : يحيى رباح
استرداد وطن واستمرار ثورة-- بقلم : يحيى رباح

نحن جميعاً في فلسطين، مثل غيرنا وأكثر في المنطقة من أقصاها إلى أقصاها، على موعد يوم الثلاثين من هذا الشهر حزيران، وهو الموعد الذي حددته حركة تمرد – حركة الشباب المصري – ومعها كافة مفردات الحركة الوطنية المصرية مشاركة وتأييداً للبدء في فعاليات المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة.
هذا المطلب بالإضافة إلى شرعيته المطلقة، بصفته عودة إلى الشعب مصدر السلطات، فهو مطلباً دستوريا من الطراز الأول، مارسته دول وشعوب وأمم كثيرة حين اتضح لها حدوث خلل كبير في مسار ومخرجات الديمقراطية، والتفاف على أهداف الثورة، وفشل في إدارة البلاد، وعجز وشلل عن الانجاز.
وهذا هو بالضبط ما تعانيه مصر في ظل حكم الإسلام السياسي الذي يمثله الأخوان المسلمين وتفريعاتهم المتعددة.

والحقيقة أنه خلال السنة الأولى من حكم الدكتور محمد مرسي، فإن مصر، الدوله العربية الأكبر في المنطقة، التي انجزت صفة الدولة الحديثة في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، وكان دستورها سابقاً على دساتير العديد من الدول الأوروبية والأميركية، والتي تبنت أعظم مؤسسة للإسلام الوطني – صحيح الدين – ممثلة بالأزهر، والتي لم تشهد أي نوع من الصراع الديني أو الطائفي بين مسلميها وأقباطها على امتداد أربعة عشر قرناً، والتي كانت مصدر اشعاع حضاري، ومركز تنويري، ونموذج ثوري استحق إعجاب العالم في آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا منذ منتصف القرن الماضي - مصر هذه انزلقت في السنة الأخيرة من حكم الإسلام السياسي نحو الهاوية بسرعة قياسية، من التجديف إلى التعرية، ومن المبادرة والإبداع إلى الضعف والانصياع حتى في قضايا مصيرية مثل قضية مياه النيل، ومثل الاغراق في الديون، والارتباك الشديد في تأمين عناصر الحياة الأساسية كالأمن القومي، والسيطرة على بعض مناطقها مثل سيناء واختراق أمنها القومي، وعودة بعض أشكال الاستعمار القديم البائدة، مثل وجود مندوب دائم لصندوق النقد الدولي في مقر البنك المركزي، وتصرف الأميركية آن باترسون كمندوب سامي، وارتكاب فواحش سياسية تخرجها من دورها في المنطقة مثل قرار قطع علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا....الخ

الإسلام السياسي، الذي لا يؤمن بالدولة الوطنية ولا بالدولة القومية، يفتقد القدرة على رؤية الحقائق كما هي، لا يعرف ضرورات الأمن القومي، ولا يدرك أن الصراع المحتدم الذي يخوضه ليس مع المعارضة المصرية فقط ولكنه صراع مع الشعب المصري.
وأن هذا الصراع لا يدور في هذه المرحلة على السلطة وإنما على استرداد الوطن.
و لهذا رأينا مفردات الإسلام السياسي في مصر، تغلق عيونها وآذانها حتى لا ترى ولا تسمع صوت الحقائق، فبدأت في حراك عدواني ضد الموعد المنتظر، فرأينا الحشد الذي أقيم يوم الجمعة في ميدان رابعة العدوية، وربما نرى اليوم حشداً آخر، كما نسمع موجات من التهديد والوعيد، مع أن هذا الإسلام السياسي قد وصل فعلياً إلى أبشع حالات الانكشاف، فقد اتضح أنه أصبح عبئاً وليس وعداً.. كما اتضح أنه ردة وليس صحوة.. وانه لا يقتصر على التجديف في الدين بل يجدف في حقائق الوطن الأساسية.
المعركة مهمة جداً إذن، ونحن جميعاً في المنطقة مهتمون بهذه المعركة، سواء كنا أطوافاً فيها، أو شهوداً عليها، أو حتى متفرجين على مشاهدها وتداعياتها، معركة بين صحيح الدين الإسلامي، وتشويهات الإسلام السياسي, معركة بين الصعود الديمقراطي والاغتصاب الديمقراطي.

معركة بين استحقاق مصر لدورها في المنطقة ونجاحها مع فقدان الملامح. معركة بين البناء على أرض الحقيقة والهروب إلى أرض الأوهام.
هذه المعركة التي بدايتها في الثلاثين من هذا الشهر، سيكون لها ما بعدها، ذلك أن مصر لم تكن في تاريخها الطويل بلداً منكفئاً أو معزولاً أو ملحقاً، بل إن مصر الشقيقة بعمقها الحضاري العظيم كانت دائماً أرض البدايات، بل إن أخطر أعدائها وغزاتها هزمتهم وأعادتهم من حيث أتو وقد حملو لواء دينها الإسلامي الحنيف، فكيف لهذا النموذج من الاسلام السياسي، الذي لم يستقو إلا على شعبه وأمته، واعتنق الحقد والكراهية والثأر، وعاش تجربته في الكهف السري الأسود وليس في الفضاء المفتوح، ليكون له أن يتخيل أنه سيبتلع مصر ويسرق ثورتها التي كان متربصاً بها وليس مشاركاً فيها بالمعنى الإيجابي.
نحن على موعد في الثلاثين من هذا الشهر حزيران، فأهلاً بمصر الغالية صانعة أجمل المواعيد.