لنتوقف قليلاً عن التصفيق -- بقلم: اسامة الفرا

لنتوقف قليلاً عن التصفيق -- بقلم: اسامة الفرا
لنتوقف قليلاً عن التصفيق -- بقلم: اسامة الفرا

يخصص العرافون مساحة واسعة من تنبؤاتهم لمنطقة الشرق الأوسط، كونها تغص بالتقلبات التي توفر للمنجمين مادة للحديث حولها، إلا أنه في الوقت ذاته ليس من الهين عليهم استقراء ما تحمله المنطقة من مفاجآت، حيث ترتبط المتغيرات العامة بالأشخاص في ظل غياب العمل المؤسساتي الذي يضع منظومة الدولة في سياق محدد، وبالتالي غياب الفرد يفتح المجال على مصراعيه لاحتمالات متعددة، قد تصل بمنسوبها في بعض الأحيان لزلزال يضرب بقوته ما كان.

لا أحد يمكن له استنباط الشكل الذي سيستقر عليه الشرق الوسط، فالحراك العربي الذي صفق له الكثير على أنه ربيع سيعيد للمنطقة شبابها وحيويتها، ويزهر لتلتقط بعدها الشعوب ثماره الناضجة من الحرية والعدالة والكرامة، لا يبدو كذلك، فما أصاب دوله من ملامح الكبر والوهن وما رافقها من تفاقم الخلافات المجتمعية الداخلية لا يبشر بذلك، لكن في الوقت الذي تنهكنا فيه تتبع الأحداث التي تعصف بالمنطقة، تمتد المؤثرات الخارجية إليه لتزداد قوة ونفوذا في صياغة شكله طبقاً لمتطلباتها ومصالحها، وفي الوقت الراهن ينصب بالمقام الأول على توسيع حدة الاقتتال الداخلي، وهو ما ذهب إليه صراحة الكاتب والمحلل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان القريب من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حين دعا الحكومة الإسرائيلية إلى ترك العرب يتقاتلون ليقتل بعضهم بعضا، فالدم العربي يسفك يوميا بغزارة في العديد من الدول العربية وبخاصة تلك التي حملت لقب دول «الربيع العربي». 

المؤكد أن المنطقة تؤسس لتحالفات جديدة، وإن كان من الصعب اليوم التنبؤ بشكلها النهائي، خاصة في ظل المستجدات في الدول الإقليمية القوية الطامحة بأن يمتد نفوذها إلى المنطقة، تركيا وإيران، حيث المظاهرات التي شهدتها ساحة تقسيم والعديد من المدن التركية ستدفع القيادة التركية للتركيز على قضاياها الداخلية على حساب التمدد الخارجي الواسع الذي حققته على مدار السنوات السابقة، والمنطقة تنتظر أيضاً ما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الإيرانية، والتي يمكن لها أن تعيد خلط الكثير من الأوراق في حال فوز المرشح الإصلاحي «حسن روحاني»، ليس لما يملكه من قناعة حول ضرورة مصالحة إيران مع الغرب، بل الأهم حديثه حول العلاقة الإيرانية السعودية، والتي يتطلع لأن ينتقل بها من حالة العداء إلى حالة من الصداقة والتنسيق المشترك.

الواضح أن الدور القطري في المنطقة انتهى أو في طريقه إلى ذلك، خاصة إذا ما استطاع النظام السوري أن يفرض سيطرته مرة أخرى، والواضح أيضاً أن مصر بحاجة لسنوات كي تستعيد دورها القيادي في منظومة الشرق الوسط، هذا إن قدر لها تجاوز الخلافات السياسية الداخلية، والواضح أيضاً وهذا هو الأهم أن القضية الفلسطينية لم تعد تحظى بالاهتمام الذي كانت تتمتع به سابقاً، وإن كانت السلطة الفلسطينية فقدت مساندة البعض من الأصدقاء في العالم العربي، فإن حركة حماس هي الأخرى بطريقها لخسارة الداعمين لها، وبطبيعة الحال في ظل هذا الواقع ليس من الغريب في شيء أن تكون هذه الأجواء هي الأكثر مثالية لدولة الاحتلال كي تمضي في سياستها القائمة على وأد حل الدولتين، فهل يمكن لنا أن نفيق قليلاً كي نكتشف حجم المتاجرة بالقضية الفلسطينية؟، وأن السبيل الوحيد أمامنا يكمن في إنهاء الانقسام وترتيب وضعنا الداخلي كي يستمع الآخرون إلينا، ونسترجع ما فقدناه على مدار سنوات الانقسام من اهتمام إقليمي ودولي.