انتخابات إيران الرئاسية حديث الصناديق --بقلم: عدلى صادق

انتخابات إيران الرئاسية حديث الصناديق --بقلم: عدلى صادق
انتخابات إيران الرئاسية حديث الصناديق --بقلم: عدلى صادق

فاز حسن روحاني، في انتخابات الرئاسة الإيرانية، وهو الموصوف كإصلاحي ومعتدل. إن في ذلك دلالة، ترمز الى ضيق الأجيال الشابة والمجتمع المدني الإيراني، بسلوك "المحافظين" وبخطهم المتشدد وبعنفوانهم اللفظي. لكن هناك مشكلة، تختلف عن تلك التي أعقبت انتخابات 2009 الرئاسية التي تدخلت وعبثت فيها أجهزة الأمن و"الحرس الثوري" لكي يصعد محمود أحمدي نجاد. المشكلة تكمن في بنية النظام الذي يرى في رئاسة الجمهورية، مجرد وظيفة يشغلها "تابع" للمرشد الأعلى. فهكذا كان علي خامنئي نفسه، عندما شغل هذا المنصب، بعد انتخابه في العام 1981 ليكون الرئيس الثاني للجمهورية. فقد عمل تابعاً للمرشد الأعلى آية الله الخميني، بموجب محددات الدستور الإيراني، الذي لا يُتيح للرئيس، الاضطلاع بجوهر المسؤولية عن السياسة الخارجية، ولا عن القوات المسلحة، ولا عن السياسة النووية، لأن هذه صلاحيات، تخضع لقرارات المرشد الأعلى!

ففي حدود ما يتاح لروحاني، في ولايته الرئاسية؛ سيصبح الرجل مسؤولاً عن الإدارة التنفيذية للجهاز الحكومي، وعن التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات مع الدول الأخرى، وعن إدارة عملية التخطيط الوطني التنموي، وعن الموازنة وشؤون العاملين المدنيين في الدولة، وعن تزكية الوزراء ومن ثم تعيينهم بموافقة مجلس الشورى!
غير أن روحاني، ربما استفاد وسيستفيد في ولايته، من ردود الأفعال المريرة، في المجتمع، على ما وقع من صخب وتزوير في انتخابات 2009 وتعرض بسببه خامنئي الى انتقادات حادة. فالمرشد الأعلى، هذه المرة، سمح لنفسه، على مضض، أن يوفر للناس انتخابات حرة ونزيهة، وشجعه على ذلك أن روحاني الإصلاحي، خرج من أعمق نقطة في عصب النظام والمنظومة الدينية. فهو ليس كالرئيس الأول "أبو الحسن بني صدر" أو سواه. وكان روحاني، في شبابه، وفي بدايات التحاقه بالخميني، هو أول من أطلق على الخميني لقب "الإمام" في لحظة من التجلي الخطابي. وفي الواقع، يكره خامنئي الديمقراطية ويكره الانتخابات مثلما يكره العليل الدواء. فهو القائل إن الديمقراطية "تأخذنا بعيداً جداً، عن روح النظام السياسي الذي نريد، وعن طبائع نشأته، من حيث يُفترض أنها تقسّم الصلاحيات بين الملالي ورؤساء المؤسسات المنتخبين بشفافية". لذا ـ والكلام له ـ ينبغي "أن تكون الجمهورية، جزءاً من الدولة وليست كل الدولة، وبالتالي أن يؤدي رئيسها، الدور الإسلامي الذي تلعبه هذه الدولة". فهكذا كان خامنئي نفسه، في ظل الخميني!

لكن الوضع في إيران اليوم، ليس كالوضع في العام 1980. الآن، هناك مجتمع مدني إيراني قوي، لا يفتقر الى التأثير في منظومة المعَمّمين، بل إنه يلاقي تأييداً مطرداً من أوساطهم، وبات مؤيدوه يُعرفون اليوم بـ "الإصلاحيين". هؤلاء لم يكونوا موجودين قبل ثُلث القرن. وخامنئي ما زال يُخطئ في قراءة هذه الحقيقة. فهناك "انتفاخ شبابي" حسب تسمية رموز المجتمع المدني لجموع الشباب المحبط من الجنسيْن. وأغلال النظام، تخنق حياة هذه الجموع، وتقيّد حرياتها الشخصية وتسد الباب أمام طموحاتها. وزادت الطين بِلَّة، سياسات التصعيد الإقليمي الرعناء التي اعتمدها الرئيس نجاد، "تابع" المحافظين و"الحرس الثوري". فكلما تفشت حكايات المحسوبية والفساد، مع ازدياد النقص في القطع الأجنبي؛ كانت إدارة الحكم التنفيذية، ترفع جرعات التنطع بقضايا وفرعيات الحشمة، ومسالك الوعي الشبابي، وجزئيات الخُلق المرتجى، مُفترضة ـ ضمناً ـ أن كل صغيرة وكل هفوة أو انحسار للخمار؛ يعكس عداءً لمنظومة وقيم "الجمهورية الإسلامية". واتسعت النخبة التي تعلم أن كل هذه التخّرصات، نوعٌ من التزيّد، لصرف الانتباه عن المشكلات الحقيقية، مثلما يفعل بعض الأصوليون في بلادنا العربية، حتى قبل ان يحكموا. 

عناصر السلوك السلطوي هذه، وسواها؛ جعلت الكتلة الشبابية الكبرى، تمتليء حنقاً وتحفزاً للفعل السياسي، بقوة أصواتها الانتخابية، لكي يكون بمقدورها تغيير الحكومات بشكل دوري، توخياً لحريات أوسع، ولكرامة مصانة، ولحياة اقتصادية نزيهة!
ومن المفارقات، أن حكم مؤسسة الملالي الإيرانيين، اعتمد في السابق على عنصر الانتخابات العامة، لكي يعزز قوتها، ولكي يُظهر للعالم، كيف أن هذا الحكم يوازن بين السماوي المقدس، والضرورات الدنيوية المُلحة، في إطار دولة واحدة. لكن هذه الانتخابات العامة، أوقعت المرشدية العامة، في مأزق التعارض الظاهر، بين مؤسسة الرئاسة المنتخبة، من جهة، وجمهرة الملالي وأتباعهم من جهة أخرى. بالتالي أصبحت الانتخابات تمثل للأخيرين، كابوساً يجعل وضعهم أقل أماناً. وهذا ما جعل خامنئي يقول بصراحة "إن الانتخابات تمثل تحدياً دائماً لبلادنا".

غير أن ثمة حرج تاريخي، يمنع المرشد الأعلى إطلاق فتوى بوقف الانتخابات. فمن بين تقاليد إيران السياسية والدستورية، أن الانتخابات العامة، حق للمجتمع، مارسه منذ العام 1906 فإن أوقفها النظام، ستفقد "الثورة الإيرانية" مشروعيتها، وبالتالي لا بد من العض على النواجذ، والتثبث بمحددات الدستور، الذي يُقيد رئيس الجمهورية ويقلص صلاحياته.
على الرغم من ذلك، فإن هذا السياق نفسه، محفوف بمخاطر شتى. فعندما ساند الملالي، ومعهم أجهزة العَسَس، محمود أحمدي نجاد وتدخلوا في العملية الانتخابية في العام 2009 وغشّوا؛ بدا جلياً أن إيران أصبحت على حافة جُرف، وكان الناخبون مقتنعون، أن نجاد سرق منصبه، وأن "لا ثورة، يحرسها منافقون" حسب تعبير شبابي في إيران!

كتلة الشباب الإيراني، فرضت هذه المرة إرادتها. وهذه خطوة على طريق تغيير تدريجي لطبائع النظام. فقد أعلنها الشباب صريحة "لا مجال للتلاعب في الانتخابات ولا لإطلاق الألعاب النارية وإلا سينقلب السحر على الساحر. فالربيع العربي ليس بعيداً"!
هذه المرة، ينعم خامنئي برئيس لأربع سنوات، هو ـ رغم اعتداله النسبي ـ من ضلع النظام ومن عباءته. إن استقام سعيه، اقتصادياً واجتماعياً، وإن أحسن قراءة الخارطة الإقليمية والدولية، بمنظور المصالح العليا للشعب الإيراني، فإنه سينجح في مد عمر النظام بمحدداته الدستورية. وإن لم يفعل، سيكون للناس مع الحكم، شأن آخر!