الذكرى السادسة للنكبة الثانية-- بقلم : يحيى رباح

الذكرى السادسة للنكبة الثانية-- بقلم : يحيى رباح
الذكرى السادسة للنكبة الثانية-- بقلم : يحيى رباح

يوم الجمعة القادم, الرابع عشر من حزيران, ينفتح ذلك الجرح الصارخ بالألم في ذاكرتنا الوطنية, مع حلول الذكرى السادسة للانقسام الاسود، الذي يلقب في سجلات تاريحنا الفلسطيني المعاصر باسم النكبة الثانية!!! لبشاعة معانيه, وفظاعة تداعياته, وقسوة تفاصيله في حياتنا الفلسطينية!! خاصة ونحن نتقدم في طريق صعب لكي نؤكد على أحقيتنا وأهليتنا في الحصول على الاستقلال من خلال قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

فجاءت مؤامرة الانقسام التي نفذتها حماس لكي توجه للشعب الفلسطيني وحركته الوطنية ضربة في الصميم!!! خاصة حين نعلم ان سلخ قطاع غزة عن مساره ومسيره الفلسطيني يعمل لأجله الاسرائيليون منذ العام 1982, كما ظهر في الوثيقة التي نشرتها مجلة اتجاهات (كيفونيم) الناطقة باسم الوكالة اليهودية, كما اتضح في الابحاث والدراسات التي قدمتها مراكز الابحاث الاسرائيلية بناء على طلب الحكومة الاسرائيلية عام 1985, وكذلك الاوراق البحثية التي قدمها زئيف شيف, ومن بعده غيورا ايلند لمعهد دراسات الشرق الاوسط الذي يعمل لصالح وزارة الخارجية الاميركية, وكذلك الابحاث الامنية والاستراتيجية التي قدمت لمؤتمر هرتسليا في دوراته المتعاقبة.

وبالتالي فإن فعل الانقسام الذي نفذ في الرابع عشر من حزيران عام 2007, والذي سبقه قرار الجنرال شارون بالانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة عام 2005, لم يكن بسبب الحجج والمبررات التي كررتها حماس طيلة السنوات الست الماضية, بل الموضوع اخطر من ذلك بكثير.

قبل الانقسام بسنوات, كان الصراع يتزايد بين رهانين, الرهان الاول يتجه الى اعطاء حركة حماس الفرصة الكاملة للاندماج مع الكل الفلسطيني, وشرعنتها على اعتبار انها جزء عضوي من الكل الفلسطيني!!

وعلى هذا الاساس اتيحت الفرصة امام حركة حماس دون اية شروط ضاغطة للمشاركة في انتخابات عام 2006, والتي حققت فيها فوزا كبيرا لأسباب كثيرة لا داعي للخوض فيها الآن, وقد تم الاعتراف من الكل الفلسطيني بهذا الفوز, وبناء عليه شكلت حماس حكومتها الاولى منفردة, وقد ولدت تلك الحكومة معزولة وميتة, فعاد الكل الوطني لكي يوافق على حكومة وحدة وطنية برئاسة حماس في بدايات 2007 طبقا لاتفاق مكة الذي رعته المملكة العربية السعودية بكل كرم واخلاص ولكن سرعان ما اتضح ان الرهان الآخر النقيض هو الاقوى داخل حماس, الرهان الذي يقول ان حماس جزء عضوي من حركة الاسلام السياسي, وان اولوياتها وارتباطاتها وتصوراتها للمستقبل تصب في هذا الاتجاه, وليس في اتجاه الوطنية الفلسطينية او مشروع الاجماع الفلسطيني!!! وهكذا جاء الانقلاب المسلح على حكومة الوحدة الوطنية التي ترأسها حماس, واستمر الانقسام حتى يومنا هذا.

ولكن انكشافات هذا الانقسام تتضاعف, ومآسيه وتداعياته السلبية تتراكم الى حد يفوق كل امكانيات القبول والاحتمال, خاصة ان الرهان الاميركي على قدرة الاسلام السياسي في السيطرة على المنطقة من خلال بعض التوافقات مع أميركا واسرائيل, هذه الرهانات بدأت تتساقط وتنهار, بل ان حماس وجدت نفسها في ظل حكم الاسلام السياسي لمصر, تتعرض لاتهامات خطيرة جدا لا أول لها ولا آخر, وتحولت هذه الاتهامات الى محرك رئيسي للرأي العام المصري من خلال مثقفيه وتشكيلاته السياسية الجديدة ومنابره السياسية والاعلامية.

والشيء الأهم ان السجال داخل الشقيقة مصر اصبح يميز بشكل حاد بين حماس والشعب الفلسطيني في قطاع غزة, بعد ان اثبت هذا الشعب العظيم من خلال مهرجان غزة الفتحاوي في مطلع هذا العام, ان ادعاءات حماس بأنها تمثل اهل قطاع غزة وتسيطر عليهم ليست سوى اكاذيب كبيرة.

على مدى الست السنوات الاخيرة:

وجدت حماس نفسها في حالة عدائية وثأرية شاملة مع المليون وثماني مائة الف من اهل قطاع غزة, لأن اغلب ما يعانونه هو بسبب حماس وانفلاتها الدموي من تحت سقف الشرعية الفلسطينية, ابتداء من الحصار وانتهاء بشيطنة صورة قطاع غزة على مستوى الرأي العام المصري ولدى الآخرين, واتضح ان هذه الاشكالية عميقة, وتزداد خطورة كل يوم, وخاصة ان التيارات المرنة داخل حماس لم تستطع حتى الآن ان تكسب الجولة!!!، كما ان القوى الاقليمية التي شجعت حماس على ارتكاب خطيئة الانقسام, ليست قادرة على انقاذ حماس من الحالة العدائية والثأرية.

ومن يراقب سلوك حماس بدقة وعمق هذه الايام, يخرج باستنتاج حاسم بأن حماس تتصرف كما لو انها تخوض معركتها الاخيرة, وانها خائفة من المستقبل, ومذعورة من المصالحة التي تعني لها فقدانها للرهينة الوحيدة التي في يدها وهو قطاع غزة!!!

ولكن التجارب تقول ان الهروب الى الامام لن يجدي نفعا, بل يفاقم المشكلة الى حد الانفجار, وهذا ما ينتظره الجميع من قطاع غزة, نبع الوطنية, ارض الفقر والثورة.