ضرورات "النهضة" ومحظوراتها بقلم : أمجد عرار

ضرورات "النهضة" ومحظوراتها  بقلم : أمجد عرار
ضرورات "النهضة" ومحظوراتها بقلم : أمجد عرار

ضرورات "النهضة" ومحظوراتها

بقلم : أمجد عرار

صندوق النقد الدولي فرض على حكومة النهضة التونسية محاربة السلفيين مقابل منحها قرضاً يساعدها على التعامل مع الوضع الاقتصادي المتردي في أولى بلاد “الربيع العربي” . هذا ليس كلام “حاقدين” من أتباع الشهيد شكري بلعيد أو من “المتآمرين” على الإخوان و”نهضتهم”، بل اعتراف مسؤول في الحركة وقيادي عريق هو صادق شورو الذي ربط بين هذا الشرط الفتنوي والمواجهات التي تحصل منذ فترة بين جماعة “أنصار الشريعة” وقوات الأمن التونسي .

إذاً، كما يقول شورو، التاريخ يعيد نفسه، فبالأمس فرض الصندوق على النظام السابق إقصاء “النهضة”، واليوم يفرض على “النهضة” إقصاء السلفيين من الحياة السياسية، ربما لدفعهم إلى الحياة العسكرية في أماكن أخرى .

بالأمس كان الإخوان، باسم الشريعة الإسلامية، يحرّمون الاستفادة من “ربا” صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، واليوم لا يحلّلون لأنفسهم هذا “الربا” فحسب، بل ويدفعون مقابله ثمناً سياسياً وسيادياً . الفتوى جاهزة، لأن الفتاوى في فصل الربيع تكون ندية طريّة ومطّاطة . فالوضع الاقتصادي العام في تونس يمر بصعوبات كبيرة . ولأن “الضرورات تبيح المحظورات” فلا بأس من أن تلجأ الحكومة للاقتراض من الصندوق الدولي بشروط مجحفة . طبعاً الضرورات لا تبيح لكل من هب ودب، ولا تنطبق على العلمانيين واليساريين والقوميين . هؤلاء ضروراتهم تختلف ومحظوراتهم تختلف . الضرورات نفسها فرضت قبل ذلك على رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أن يشطب مواقف سابقة إزاء قوى دولية ومن العمليات الفدائية الفلسطينية، ويقاوم وضع نص يجرّم العلاقات مع “إسرائيل”، بعدما كان طمأن مستمعيه في الولايات المتحدة بأن الدستور التونسي لا يمنع إقامة علاقات مع الكيان الغاصب .

لم يمض وقت طويل على بوح شورو الجريء، لكي نرى ما الذي سيقال فيه وعنه وله، لكنه سينال نصيبه من التقريع “الشرعي”، وقد تصدر بحقه فتوى “تجيب أجله”، ولن تشفع له أكثر من عشرين سنة قضاها في سجون حقبة ابن علي، منها أربعة عشر عاماً في عزلة انفرادية عزلته عن العالم الخارجي، حتى استحق لقب “مانديلا تونس” . ولم يكن تبوؤه أعلى المواقع القيادية في حركة النهضة، بسبب نضاله ضد النظام السابق، بل لتحصيله العلمي، فهو يحمل دكتوراه في الكيمياء ويحاضر في كلية الطب في تونس، وهو كذلك عضو في لجنة البحث العلمي ونقابة التعليم للاتحاد العام التونسي للشغل .

رغم أن سياسة البنك وصندوق النقد الدوليين معروفة للجميع، مثلما أن ارتهانهما لصانع القرار في واشنطن من المسلّمات، إلا أن هذا لا يقلل من أهمية الجرأة التي تمتّع بها شورو في إطار سياسي لا يحمل إرثاً من النقد العلني لسياسات جماعة تستمد قداستها من الاستناد للخطاب الديني . لكن من المفروض أن يكون الرجل الذي دفع زمناً طويلاً من حياته في السجن ثمناً لمواقفه، غير قادر على بلع لسانه إزاء سياسات سبق له نقدها، لمجرد أن ممارسيها من جماعته .

 

شورو بتصريحاته العلنية هذه يقرع الجرس ويشعل الضوء الأحمر في وجه من يواصلون امتطاء الحراك الشعبي في غير مصلحة الشعب، بل التزاماً بشروط دولية وتفصيلاً لسياسة مرضي عنها من الداعمين الدوليين . التبعية الاقتصادية والمالية لا يمكن إلا أن تفضي إلى التبعية السياسية، وبهذا يكون التغيير مجرد تبديل للوجوه .