أبو علي شاهين .. وما عهدته عليه/ بقلم حسن دوحان

أبو علي شاهين .. وما عهدته عليه/ بقلم حسن دوحان
أبو علي شاهين .. وما عهدته عليه/ بقلم حسن دوحان

أبو علي شاهين .. وما عهدته عليه

بقلم حسن دوحان

صحفي، وباحث فلسطيني

كما عهدته عندما كنت في مقتبل العمر، رجل يأبى إلا أن يكون نفسه، ينطق بالحق حتى وان ضجر الآخرين منه، كبار رأيتهم صغار أمامه، قارئ جيد للواقع، مناضل لا يعرف إلا أن يقول الحق والحقيقة وان تناقض ذلك مع الأعراف الدبلوماسية والبروتوكولية التي لم تكن تعني شيئاً في حياته وعمله..

أدرك قبل ثلة كبيرة وكثيرة انه لا بد أن يفارق الكرسي ويطلقه كما يحب أن يكون الوصف، فقرر عدم خوض غمار انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 وليت قادة كبار تبنوا وجهة نظره فما كان ما كان، وقرر ترك أي مناصب رسمية أو تنظيمية، والتفرغ للكتابة وتأريخ محطات مهمة في النضال الفلسطيني شكلت ولا زالت تشكل الوعي الفلسطيني بالقضية والأرض والهوية.

كان يسبق الكثير من السياسيين المخضرمين في رؤيته وقراءته للواقع، فلم يتأثر بأوهام السلطة والكراسي، أو أوهام جمع المال والنفوذ، وكان تأثره بفتح الثورة والقضية، وشكل وعي فتح وأبنائها، وتشكلت فتح في وجدانه وعقله، فلم يرى سوى مصلحة فتح وفلسطين، ولأنه مناضل لا يعرف إلا قول الحق والحقيقة اقنع الناس بإحساسه الوطني، فلم أرى شخصاً سمعه حتى من معارضيه إلا وقال انه صادق ويقول الحق، ولكن المتسلقون والعاشقون للكراسي كانوا دوماً على خلاف معه..

ولأنه كما عرفته قائداً يلامس قلوب المستضعفين، انتصر للشعب في مواقف كثيرة كان أبرزها اعتصامه مع المواطنين في المواصي ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي عام 1997، وأبى إلا أن يشارك الفتحاويون انتصارهم ومهرجانهم المليوني في غزة عام 2013، ليختم حياته رافضاً للانقسام وليعلن ان غزة ليس حكراً لأحد أو فصيل وإنها وعاء يتسع للجميع، فكانت عودته إليها ليشتم رائحتها ويلقي نظرة الوداع عليها ويغادرها في صمت وكبرياء..

عندما زرته في مشفى القدس كانت الابتسامة لا تغادر وجهه، وحكاياته الجميلة تصدح في المكان، ورغم إرشادات الأطباء بعدم إطالة الزيارة إلا انه كان يطيلها بالاستطراد في الحديث واسترجاع الذكريات، وأبى كعادته إلا أن يصدح بالحق فردد كثيراً أن أطباء غزة لديهم من الخبرة والعلم ما يفوق أطباء العالم المتقدم، وذلك عندما استقبلوه في مشفى الشفاء وسهروا على راحته والعناية به..

وهكذا يغادر أبو علي شاهين الحياة، وهو لا يملك فيها مالاً أو سلطاناً، ولكنه امتلك حب الناس وعشقهم حتى للاختلاف معه، فكان بيت عزاءه في رفح استفتاء على محبة الناس له ولعطاءه ونضاله، ونظراً لأعداد المعزين الهائلة اضطرت عائلة شاهين وحركة فتح لنقل بيت العزاء من شارع النص إلى الحديقة اليابانية المقابلة علها تتسع لمئات الآلاف الذين يؤمون بيت العزاء يومياً..

ليس بالضرورة أن تتفق مع أبو علي شاهين في كل آراءه، ولكن بالضرورة أن ترفع القبعة له احتراماً وتقديراً، انه مناضل أفنى حياته يقاوم الاحتلال الإسرائيلي، ويبعث الأمل بالحياة في أصعب الأوقات عندما تسرب اليأس والملل في نفوس المقاومين والفدائيين في الثمانينات من القرن الماضي..

ولأنها الحياة، سنبقى نودع مناضلين عايشناهم وغرسوا فينا معاني جميلة في حب الوطن منهم قائد الثورة وسيد شهداء فلسطين الرمز أبو عمار، ومن قبله الشهيد المجاهد فتحي الشقاقي الذي أعاد الحياة للبندقية والمقاومة، والشهيد الشيخ احمد ياسين الذي أعطى معنى للجهاد والنضال،   والمناضل عبد الله الحوراني أبو منيف الذي أعاد الحياة لقضية اللاجئين، وها نحن نودع المناضل الكبير أبو علي شاهين الذي أبى أن يعترف باليأس، وأحب الناس فأحبته، وامتلك قاموس اللغة فاستغلها لزرع أفكار المقاومة والتضحية..

خالص التعازي لعائلة شاهين، للشعب الفلسطيني بفقدان المناضل أبو علي شاهين..