معركة التحديات في المنطقة بقلم عبدالزهرة الركابي

معركة التحديات في المنطقة بقلم عبدالزهرة الركابي
معركة التحديات في المنطقة بقلم عبدالزهرة الركابي

معركة التحديات في المنطقة  بقلم عبدالزهرة الركابي 

منذ الأحداث العاصفة التي قامت في المنطقة على وهج ثورات ما يسمى “الربيع العربي “، وما خلفته من نتائج وتداعيات لا يمكن الاطمئنان إليها حتى هذا الوقت، لا سيما في ليبيا وتونس واليمن ومصر، وبالتالي الأحداث المشتعلة في سوريا التي مزقت البلد من جراء التدمير الذي لحق ويلحق ببناه التحتية والعمرانية وحتى قدراته الدفاعية، بسبب تحول هذه الأحداث إلى حرب ذات عناوين متداخلة بما فيها العنوان الطائفي، يخشى المراقبون خروج قيادة الشارع من يد الذين تغلب عليهم صفة الحداثة والانتماء إلى المجتمع المدني، وتحول المعركة من نضال في سبيل الحرية والعدالة إلى قتال مذهبي، وبالتالي ذهاب سوريا دولة ومجتمعاً إلى صراع تدميري طرفه الأول السلطة، والثاني المجتمع التقليدي الذي يحمل مطالب حديثة، لكنه سيتبنى مطالب مذهبية طائفية، هي وقود لا بد منه للحرب الأهلية .

 هذه الأحداث في تفاصيلها الداخلية وانعكاساتها السلبية، أثرت في المشهد السياسي العربي، وجعلت هذا المشهد مضطرباً على صعيد العلاقات العربية - العربية، بل وحتى على صعيد العلاقات العربية - الإقليمية، فضلاً عن تأثير هذه الأحداث في العلاقات العربية - الدولية من جراء سياسات المحاور والاصطفافات، لا سيما في المشهد السوري الذي باتت أحداثه تثير القلق .

 

كان وصول تيار الإسلام السياسي الى الحكم في تونس ومصر وإلى حد ما في ليبيا، يُعد من المتغيرات الكبرى . وقد ساد الاعتقاد، أن مثل هذا الوصول الإسلامي، سيساعد إلى حد كبير على بلورة محور جديد، يكون بمرتبة (المحور الإسلامي)، إلا أن هناك الكثير من المصاعب والتعقيدات في الدول المذكورة، ومن أبرز هذه المصاعب الانشغال بالأحداث الداخلية التي تتعلق بترتيب البيت الداخلي، والعمل على استعادة الأمن والاستقرار، فضلاً عن مواجهة الأزمات الاقتصادية التي فعلت فعلها في أوساط المجتمع .

وقد بدا واضحاً أن مثل هذا الانشغال سيأخذ فترة طويلة، اعتماداً على ما تفصح عنه الأحداث السائدة في هذا الوقت، ولا سيما في الجانبين الأمني والاقتصادي . كل هذه المصاعب وما سينتج عنها، حالت دون قيام النظم القائمة في المرحلة الراهنة، برسم خطة أو رؤية استراتيجية واضحة، تعبر من خلالها عن اتجاهات سياساتها العربية والإقليمية والدولية عموماً، الأمر الذي جعل من الصعب في هذه المرحلة، قيام محور للبلدان التي باتت تحت سلطة التيار الإسلامي، يأخذ على عاتقه مهمة التحرك في المنطقة، لتبيان موقفه واتجاهه حيال القضايا الأساسية والمفصلية، وهي قضايا أثرت في عموم المنطقة، وربما ستأخذ امتداداتها وأشكالها وكذلك تداعياتها، في التأثير سياسياً وأمنياً واقتصادياً على النحو السلبي، بالنسبة للأمن القومي الذي بات في حال لا يُحسد عليها .

 وهذا الانشغال الداخلي، لم يعد حصراً على بلدان تونس ومصر وليبيا التي تقع تحت حكم الإسلاميين، بل هو يشمل اليمن الذي يتأرجح نظامه القائم في هذه المرحلة الانتقالية، على الرغم من كونه تبنى المبادرة الخليجية، فهذا البلد يسعى إلى انتقال سلمي للسلطة، وهو يعمل على إعادة هيكلة القوات المسلحة وأجهزة الأمن، ما يجعله في حالة انشغال دائم داخلياً، وبعيداً من الاهتمام بالسياسات الإقليمية والدولية، خصوصاً بعدما كثر الحديث عن نيات انفصالية في الشمال والجنوب . وأمام هذه التحديات والمخاطر، فإن اليمن سينصب همّه على الشأن الداخلي، ولن يكون بمقدوره الالتفات إلى القضايا الخارجية والإقليمية والدولية في كل الأحوال .

 وعليه، وحسبما جاء في إحدى الدراسات، فإنه في هذه الحالة من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى أن يواجه النظام العربي حالة تعارض بين مركز القيادة الجديد “دول مجلس التعاون الخليجي”، ومركز القيادة العائد “مصر”، الذي يحتاج إلى الطرف الأول للمساعدة في حل وإنهاء آثار المرحلة الانتقالية التي تركت بصمات داخلية، وبالتالي فإن مستقبل العلاقات المصرية مع دول مجلس التعاون الخليجي، سوف يبقى عاملاً حاكماً في مسار العلاقات العربية  العربية، والمشهد العربي بصفة عامة، كما أن المشهد العربي الراهن يطرح احتمالات قوية عن استمرار المرحلة الانتقالية في دول الثورات العربية، واستمرار الأزمات الاقتصادية والأمنية بصورة أكثر تهديداً للاستقرار في تلك الدول . ولعله من المفيد أن تدرك بقية الدول العربية أن عدم استقرار الأوضاع واستمرار الأزمات في تلك الدول، سوف تنسحب تداعياتها على الاستقرار والأمن في بقية دول المنطقة ودول الإقليم، وإن مناخ التوتر والأزمات يمكن أن يهيئ الأجواء لحضور العنف وتنامي تيارات التطرف العابرة للدول المهدد للاستقرار في المنطقة بصفة عامة، وأن من مصلحة الدول كافة في المنطقة، أن تدرك أن استمرار هذا المناخ سوف يمس الأمن القومي لدول الإقليم كافة، وعلى الجميع تدارك هذا الأمر بكل مسؤولية وإيثار .