حرية التعبير في ظل التحولات الجديدة بقلم : عبد العزيز المقالح

حرية التعبير في ظل التحولات الجديدة  بقلم : عبد العزيز المقالح
حرية التعبير في ظل التحولات الجديدة بقلم : عبد العزيز المقالح

حرية التعبير في ظل التحولات الجديدة

بقلم : عبد العزيز المقالح

مهما قيل عن الفشل والتعثر اللذين تعاني منهما ثورات الربيع العربي فإنه لا يمكن إنكار بعض الإنجازات التي حققته هذه الثورات على بعض الصعد، ومنها ما تم في مجال حرية التعبير، فقد أدّت التحولات في هذا المجال إلى ما لم يكن في الحسبان، فقد كان من الصعب في بعض الأقطار العربية التي ثارت على أنظمتها أن تأخذ الصحافة هذا المنحى من الشجاعة في تناول كثير من القضايا العامة، وأن تطالع القنوات الفضائية الرسمية والخاصة الناس بما لم يتعودوه من النقد الذي يبدو في بعض الحالات حاداً وجارحاً . وذلك لم يكن ليحدث إلا بفضل المتغيرات التي أحدثتها ثورات الربيع التي ماتزال تقاوم وتسعى إلى تحقيق المزيد من الإنجازات .

من البراهين الكثيرة لحرية التعبير ما أقرأه دائماً وليس أحياناً في بعض الصحف العربية التي كانت تسمى بالرسمية أو القومية من مقالات كان يصعب الهمس بما يُكتب فيها فضلاً عن كتابتها . وسأورد هنا نموذجاً يعد من أقلها حدة، ولكنه دليل على حرية تناول الأحداث من وجهة نظر مخالفة لما كان سائداً في هذا النوع من الصحف، ومخالفاً أيضاً لما يرغب فيه النظام الحاكم وفي جريدة تعد رسمية أو قومية . وهذا النموذج جزء من مقال افتتاحي لجريدة عربية هي الأولى في ترتيب الشهرة والانتشار والالتزام بالموقف الرسمي في قطر عربي، والمقال بقلم رئيس التحرير وفي الصفحة الأولى، وموضوعه التنديد بمؤتمر القمة العربي الذي انعقد أخيراً في دولة عربية، ليس ذلك فحسب، وإنما يندد بالذين حضروا هذا المؤتمر .

ومما جاء فيه: “إلا أنه في كل الأحوال، وحتى إذا تبدلت كل الأسماء والوجوه، فقد بدا واضحاً أن القضية الفلسطينية سوف تظل القاسم المشترك في “كلمات” القادة وتظل الجملة العتيقة “دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، هي حجر الزاوية في هذه الكلمات، حتى إن كان بعض من يرددونها ربما لا يعرفون موقع القدس من الخريطة، وبالتالي فقد لا تدرك الأغلبية كيفية تنفيذ ذلك، ومن هنا لا نرى على الأرض أي تحرك على هذا الصعيد سياسياً كان أو عسكرياً . وعلى الرغم من أن القادة العرب يلتقون في قمم من هذا النوع على مدى 67 عاماً، -أي منذ قممهم الأولى في إنشاء عام 1946م- فإن ما تحقق بين دولهم ودويلاتهم من تكامل على أرض الواقع لا يتناسب مع حجم ما ينفق على هذه القمم على الرغم من العوامل المشتركة والروابط التي حباهم الله بها، من حيث وحدة التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والأصول والفروع والأنساب، وحتى التقاليد والأعراف والثقافات” .

لقد ظلمنا انتفاضات الربيع أو ثوراته، وقلنا إنها لم تنجز شيئاً على الواقع العملي الملموس وتناسينا هذا الإنجاز الذي يذكّرنا به كل يوم ما نقرأه ونشاهده ونسمعه من المواطنين العاديين وما يبدونه من نقد للأوضاع وتعريض سافر بالمتنفذين، بعد أن عاش هؤلاء المواطنون عقوداً، وربما قروناً يتألمون في صمت، يخافون من الشكوى فضلاً عن النقد، وهذا مكسب لا يُستهان به يحسب لثورات الربيع العربي التي كسرت حاجز الخوف وأعطت المواطن العربي الحد الأدنى على الأقل من الإحساس بالحرية .

وأعتقد أنه من الصعب إعادة الشعب إلى ما كان عليه قبل الربيع بعد أن أحس بأهمية الحرية . ولعل الاختبار الحقيقي لهذا المواطن سيكون عندما يذهب إلى صناديق الاقتراع ليختار ممثليه في البرلمان وحكامه لرئاسة الدولة بعيداً من الولاءات الطائفية والعشائرية والحزبية .