الديمقراطية المباشرة ما لها وما عليها بقلم : مأمون كيوان

الديمقراطية المباشرة ما لها وما عليها  بقلم : مأمون كيوان
الديمقراطية المباشرة ما لها وما عليها بقلم : مأمون كيوان

الديمقراطية المباشرة ما لها وما عليها

بقلم : مأمون كيوان

يراوح التبشير بنجاعة الديمقراطية في مواجهة الاستبداد السياسي بين الاكتفاء بالدعوة أو البحث عن مشروع حضاري، والفهم السطحي للديمقراطية الذي يختزلها في توجه جمهرة من الناخبين إلى صناديق الاقتراع .

وقد تمحور نقد النظام الديمقراطي على الخلط بين شرور انشطار المجتمع إلى قوى متصارعة على السيادة وبلوغ موقع السلطة، وبين التعدد السياسي المطلوب من أجل صيرورة طبيعية للحياة المجتمعية، حسب تعبير المفكر المغربي محمد وقيدي .

وفي محاولة لترشيد العملية الديمقراطية وتوطينها في الواقع العربي من قبل سياسيين ديمقراطيين، يُعتقد أن “الديمقراطية المباشرة” التي تنجز المهمتين الرئيستين التاليتين للسياسة: تقرّير ماذا يفعل المجتمع كلّه وتنفيذ هذه القرارات، هي حجر الزاوية في دمقرطة ناجحة للمجتمعات العربية .

وتقوم الديمقراطية المباشرة باستبدال جهاز السيطرة بجهاز حكم ذاتي في العائلة، وفي التربية، وفي العمل وفي الدولة . وتستند إلى قواعد تسمى “دستوراً” بالإمكان تغييره في أي وقت، لكن هذا يتطلب أغلبية متميّزة (مثلاً، 80% من المواطنين) . من أجل حماية الدستور من تغييرات عشوائية أو متسرعة .

وتنفي الديمقراطية المباشرة التمركز الأنوي/الفردي (الأنانية الذاتية)، والتمركز العرقي (الأنانية القومية)، والتمركز الديني (الأنانية الدينية)، لأن هذه الأمور تولد النزاعات المتواصلة .

   لكن تتمثل المشكلات الجوهرية للديمقراطية المباشرة في حقيقة أنه لا توجد طريق لضمان أن تكون نتائج القرار “جيّدة”، إذ يمكن لأي قرار أن يؤدّي إلى عوارض غير متوقّعة، وغير مرغوبة - وحتى مدمّرة - ليس فقط للذين يعارضونه إنما لمؤّيديه أيضاً .

ويمنع إلغاء الفصل بين “متخذي القرار” و”منفذيه”، بين “الحكام” و”المحكومين”، ما يحدث في أي طريقة سياسية أخرى حالات التهرب من المسؤولية الشخصية، ومحاولة إلقاء المسؤولية على الآخرين .

ولعل من فضائل الديمقراطية المباشرة أنها تعمق فهم المواطنين لمشكلات المجتمع الذي يعيشون فيه . لكن من الخطأ الاعتقاد أن الأغلبية هي، بالضرورة، صادقة وأن الأقلية مخطئة . ولا يوجد في الديمقراطية المباشرة ما يكفل أن تكون قرارات الأغلبية جيدة . وفي كل نظام حكم على مدى التاريخ هنالك حالات معينة كانت فيها الأغلبية مخطئة وكانت الأقلية على صواب . وعلى سبيل المثال، في الانتخابات الألمانية في مارس/آذار  ،1933 انتخب 44% من الناخبين الحزب النازي . وقام النازيون بعد الانتخابات بإرعاب وتهديد ممثلي باقي الأحزاب من أجل دعمهم في اقتراح قانون إلغاء جميع الأحزاب ما عدا الحزب النازي . وعندما تمّ سَن القانون، كان النازيون أحراراً للقيام بكل ما يرغبون فيه . لقد حظي النازيون بأغلبية في الانتخابات الحرة قبل أن يبطلوا كل الحريات السياسية . وفي سنة 1945 ظهرت أبعاد الكارثة التي سببها النازيون لألمانيا ولبقية العالم، وتبين أن قرار الأغلبية في سنة 1933 أدى إلى كارثة .

كما تقوم الديمقراطية المباشرة بتحويل العقلية الأنانية واللامبالية التي تؤدي دوراً سلبياً في مجتمع ثابت، فاسد ومغترب ذاتياً، إلى عقلية نشطة ومبدعة في مجتمع يعمل واعياً من أجل تطوير الفرد، والجماعة والمجتمع والإنسانية  

وتتجسد الديمقراطية المباشرة بنيوياً، في ما يسمى “حركة الديمقراطية المباشرة” وهي منظمة عليا لكل لجان الديمقراطية المباشرة من أجل تنسيق نشاطات مشتركة . وهذه الحركة ليست حزباً سياسياً عادياً، ولا يوجد لها “مركز” أو قادة يتخذون القرارات بدل الآخرين، لكن لها “لجنة تنسيق” يتم تعيين أعضائها بواسطة القرعة من ضمن لجان محلية . وتقوم “لجنة التنسيق” بالمبادرة إلى تنظيم فعاليات مشتركة على نطاق محلي، لوائي وقطري لكل اللجان المحلية، وتعد قرارات “لجنة التنسيق” مجرد توصيات للعمل لكنها لا تلزم كل اللجان المحلية، ومن حق كل لجنة محلية تجاهل قرارات “لجنة التنسيق” .

ويبدو أن تبني فضائل الديمقراطية المباشرة في الواقع العربي يجب أن يتجسد بطريقة خلاقة لا تمت بصلة إلى “المؤتمرات الشعبية” القذافية أو “للشوراقراطية” الإيرانية من جهة، ونبذ شرور “الفيتوقراسية” أي نظام الانتقال من النظام المصمم لمنع أي شخص في الحكم من الاستحواذ على الكثير من السلطة، إلى نظام لا يمكن لأحد فيه الحصول على ما يكفي من القوة الإجمالية لاتخاذ أي قرار مهم على الإطلاق، أي نظام عرقلة حركة الحكومة المنوط بها مهمة التحرك واتخاذ القرارات .

ويُعد أمراً ضرورياً ابتكار آلية للانتقال من حالة الديمقراطية البدائية المصحوبة بشعبوية وفوضى حكم الرعاع إلى مشارف نظام ديمقراطي فاعل في المجتمع والدولة .