قيادي بحماس: حلم الدولة (فيلم هندي) و"أصحاب السلاح" لم يتجاوزوا التهديد التكتيكي

غازي.jpg
غازي.jpg

في مقال جريء كتب القيادي في حركة حماس غازي حمد اليوم الاثنين مقالا حمل عنوان " هزيمة اسرائيل: بين "أصحاب السلاح" و"أصحاب السلام""، والذي تحدث فيه عن عددا من ملفات القضية الفلسطينية.

كتب حمد "منذ سبعين عاماً،و(احنا بنباطح) ونقارع في هذه الدولة العنيدة التي تصارع من أجل بقائها وقوتها، وبل وتفوقها، ولا تزال فصول المعركة مفتوحة,ولا نزال نتساءل بحرارة ومرارة: لماذا لم نهزمها إلى اليوم, وعلى أي مسافة نقف من نقطة انهاء احتلالها؟".

هناك من يعد بالنصر بعد عامين، ومن "يحلم" بعد خمسة أعوام، ومن يجزم بالنهاية عام 2023، ومن يدعي- رجماً بالغيب- "أننا على الأبواب"، وكلها وعود لا تقوم على سنة كونية أو منهج علمي

اتركونا من التبريرات الكثيرة، وإن كانت ذات حضور– سواء نظرية المؤامرة أو عجز الأنظمة العربية أو تواطؤ المجتمع الدولي، ودعونا نفكر في ذاتنا، في أعمالنا وخططنا واستراتيجيتنا، ونواجه أنفسنا بأسئلة خطيرة، نجملها في سؤال واحد: هل عملنا طوال سبعين عاماً بشكل صحيح من حيث الأهداف والتخطيط والوسائل؟

"قاعدة المنطق: المقدمات الصحيحة تقود الى نتائج صحيحة، والعكس صحيح"

قال "هذا السؤال الذي لم تجب عنه القوى والفصائل لليوم بشكل صريح وجريء , وتهرب منه الى العموميات والتبريرات".

منذ بداية النكبة، رفعت المنظمات الفلسطينية شعار تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، واندفعت إلى الكفاح المسلح باعتباره السبيل الوحيد، واجتهدت بكل ما أوتيت من قوة للتخلص من هذا السرطان الطارئ، وشطبه من الوجود، وحين عجزت عن ذلك، عملت على إضعافه واستنزافه من خلال تنفيذ آلاف العمليات البطولية، لكن دولة الاحتلال امتصت الضربات، وأخذت توسع من عدوانها في القتل وسلب الأراضي، بل وتجرأت لتضرب خارج حدودها،ثم دأبت على مزاحمة المدن والقرى الفلسطينية بمصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات، وتحويلها إلى كانتونات منعزلة.

هي استكملت الجزء الأكبر من مشروعها الاحتلالي العنصري، وتقول إنه لم يتبقَ إلا القليل حتى يستوي على سوقه، السؤال: لماذا –وكيف- صمدت هذه "الدولة" رغم بحر العداوة الذي أحاط بها، لماذا لم تتراجع عن مشروعها، ولماذا لم تجبرها المنظمات على تقديم تنازلات تحت ضغط السلام أو ضغط السلاح؟

أين هو السر؟ هل هو في ذاتها، أم خلل فيمن يواجهونها؟، دعونا نفكر بعمق في الاجابة.

ومن السلاح إلى السلام، قال القيادي بحماس: "من خلال استقراء التاريخ الفلسطيني فإن النضال الوطني بعد النكبة كان ردة فعل لضياع فلسطين، صحيح أنه كان قوياً ومندفعاً، لكن افتقد إلى عنصري القوة: توحيد القوى العاملة على الساحة الفلسطينية، والعمل ضمن خطة استراتيجية(أزمة العمل الوطني المستحكمة إلى الآن)، لذا برزت الكثير من الاشكالات والصراعات والتناقضات بين مختلف الجهات العاملة ,سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، مما شتت جهودها وأفقدها القدرة على تحقيق إنجازات كبيرة".

لما عجز المناضلون عن اقتلاع هذا السرطان او اضعافه، حولوا دفتهم-قسراً وليس طوعاً- من السلاح إلى السلام,واضطروا لخلع "الكاكي"، وترك الكلاشنكوف والشعر المغبر من آثار الهجمات الفدائية، واستبداله بـ "السلاح الرسمي" والبدلات الرسمية وربطات العنق، بعد أن أقنعتهم/خدعتهم اسرائيل ودول غربية أن موازين القوى تغيرت وأنه لا سبيل لهزيمتها بالقوة ،وأنه آن الأوان لنبذ "الارهاب" وإلقاء السلاح والتنعم -تحت حكمها- باستقلال ودولة وعلم وسيارات بنمر حمراء وتصاريح خاصة.

قدموا لهذه الدولة المسكونة بالإجرام والعنصرية اعترافاً بوجودها وشرعيتها، وتعهدوا بالحفاظ على أمنها،وبنوا أحلامهم على أن السلام والتعايش يمكن أن يتحقق مع قتلة ومحترفي جرائم إنسانية.

تحت أكذوبة السلام, تسللت الأراضي من بين أيديهم، وضاعت الحدود، وكبرت المستوطنات أمام أعينهم دون أن يغضبوا أو يتمردوا، والجنود القتلة استمرأوا إعدام الأبرياء دون أن تراودهم لحظة بالمس بهم أو دفعهم، وأصبح الغزاة المستوطنون يعربدون ويحرقون ويقتلون دون أن يحركوا ساكناً، إلا الشكوى والبيانات الورقية!!

هكذا استمرأ الاحتلال هذه اللعبة (الناعمة)، واقتنع أنه لا يوجد تهديد حقيقي ما دام الأمن محفوظاً و"شرعية" الاعتراف سارية المفعول.

لجأوا إلى المجتمع الدولي (الذي لم يعاقب اسرائيل مرة واحدة طوال سبعين عاما)، وتنقلوا بين العواصم، ورفعوا عقيرتهم بالشكوى في الجمعية العامة ومجلس الأمن، وانضموا لعشرات المنظمات الدولية،لكن بقي الاحتلال -كما السرطان- ينمو ويتمدد، والسلام يصغر ويتقزم حتى غدا لا يرى بالعين المجردة!!.

للأسف، إن السلطة –المفترض بها أن تكون رافعة للمشروع الوطني- عملت على ترويض وتطويع الجمهور بأنه لا مكان للغضب، لا مكان للسلاح إلا "سلاح السلطة الرسمي" المقيد"، ولا مكان للثورة ولا حتى لأغانيها، لا عودة للكاكي والكلاشينكوف والشعر المغبر،لا عودة لكلمات أبي جهاد وأبي إياد وأبي الهول،لا عودة لشعارات الزعيم الثوري أبي عمار الذي أصر أن يلازمه الكاكي والمسدس طوال حياته، ويرفض ربطة العنق.

الى سلام موهوم ومصير مجهول، وأقنعتهم بأن الحفاظ على السلطة ومنجزاتها على رأس الأولويات".

صار لنا رئيس ووزراء وسلطة وسيارات بنمر حمراء وبرتوكول رسمي، لكن في (غابة الاحتلال الموحشة المليئة بالعقارب)، وصار البحث عن الرفاه الاقتصادي نوعاً من النجاح، وبات التعامل مع لصوص البيت ضرباً من الشطارة، والجري وراء المجتمع الدولي نوعاً من الإبهار الذاتي بأننا قاب قوسين أو أدنى من حلم الدولة، واستمر هذا الوهم لأكثر من ربع قرن حتى تكشفت الحقيقة المرة بأن هذه مجرد صور خادعة (فيلم هندي)، أما الحقيقة المرئية بالعين فهي الاحتلال والمستوطنات وسرقة الأرض وموت السلام الموهوم. ومع ذلك يقولون للشعب: "كونوا مؤدبين" : لا سلاح ..لا مقاومة..لا انتفاضة ..لا غضب !! اتركوها لأصحاب "الدبلوماسية الناعمة" هم الأقدر على معالجتها !!

وأشار حمد، إلى أن فلسفة الرئيس أبو مازن التي تقوم على نظرية "دعونا نحاول"، ونظرية أن السلام "الخيار الوحيد والمتاح" نظرية عاجزة لم تؤتِ ثمارها، وتكرر الفشل كثيراً- حتى الثمالة-، ووصل إلى الحائط المسدود الذي لا منفذ منه ولا أمل من ورائه!!.

القناعة الراسخة- بالعلم والتجربة- أن إسرائيل لا يمكن أن تتنازل إلا إذا شعرت أن شرعيتها أو أمنها بات مهدداً.. دون ذلك فالمماطلة والكذب، وهذه الورقة القوية والفعالة أسقطتها فتح/السلطة، فبات ظهرها مكشوفاً".

تذكروا أنه في عهد "السلام" اخترقت اتفاقات السلام ألف مرة، وتوسعت المستوطنات 400%،وبني الجدار العنصري، وطوقت القدس بشكل كامل، وتحولت الضفة إلى كانتونات معزولة، وفرض الحصار على غزة، وتقلصت صلاحيات السلطة. إذن ما الذي جلبه السلام؟.

على الرئيس أبو مازن وفتح، ومن يتبنون هذا المسار الخادع، أن ينزعوا من رؤوسهم وهم إمكانية السلام مع بلطجية وسارقي الارض بالأساليب الناعمة، وعليهم أن يقروا أن مسارهم وأسلوبهم خاطئ/واهم لابد من العودة عنه، لا بد من الاستدارة العنيفة والحكيمة في آن اوحد.

أصحاب السلاح لهم قصة أخرى، لقد اندفعوا بقوة الأيديولوجيا وتجذر الانتماء إلى قتال دولة مدججة بالسلاح، مدربة على القتال، محترفة للأمن والمعلومات والتجسس واقتناص الفرص، ضربوها من اليمين وأوجعوها من الشمال، أزعجوا أمنها، وعكروا صفوها في صولات وجولات، قدموا الكثير من الشهداء، لكنها كانت ترد عليهم بعنف ووحشية، بالاجتياح أو الاغتيال أو سياسة الارض المحروقة.

لم تسلم دولة الاحتلال، وطورت خططها الأمنية والعسكرية، وصارت تنقل معاركها خارج حدودها، وأصبحت على دراية بأساليب الفلسطينيين

(أصحاب السلاح) "استماتوا" في خلق معادلات عسكرية (رادعة) من خلال تطوير القوة، ونجحوا في خلق حالة من الارباك والتشويش والاحساس بالخطر الدائم لدى الاحتلال،  لكنه لم يتجاوز التهديد التكتيكي الى التهديد الاستراتيجي، وأبقوا –بتضحياتهم وتحديهم- على شعلة القضية متوهجة بعد ان كادت تضيع في خضم عملية السلام الخداعة.

غير أنهم وقعوا في نفس الخطأ حين لم يسعوا إلى العمل ضمن رؤية استراتيجية واضحة ومنظومة وطنية موحدة، وغلب عليهم الطابع الحزبي/التنظيمي لسنوات طويلة، ثم أرهقهم(العمل اليومي) والغرق في التفاصيل المستنزفة.

رغم أنهم قاتلوا بشراسة إلا أنهم افتقدوا إلى فن الاستثمار السياسي والقدرة على ترجمة تضحياتهم إلى انجاز عملي, ومن ثم تداخلت عندهم خطوط السلاح والسياسة وصار من الصعب- بحكم قلة الخبرة – الموازنة بينهما.

ومن ثم دخلوا هم و(أصحاب السلام) في صراع مزمن حول من برنامجه الأصح والأجدى، وبدا أن الخلاف والتناقض عميق بين المسارين، وإلى يومنا هذا لم تحل هذه العقدة، واستنزف الكثير من الوقت والجهد، بل والدم".

غرور إسرائيل وترسانتها العسكرية أقنعها أنها يمكن أن تمتص التهديدات "التكتيكية" وترد عليها، والفصائل مالت الى أن تدير المواجهة المسلحة في "إطار محدود" لاعتبارات كثيرة، منها ذاتي ومنها موضوعي، هكذا صارت المعادلة محكومة.

يوم أن ولج بعض(أصحاب السلاح) إلى "فخ" السلطة الملغومة بالتعقيدات السياسية والمفخخة بهموم الناس ومطالبهم الحياتية، لم يجدوا حرجاً أن "يرشدوا" مقاومتهم ويضبطوها على ايقاع الهموم اليومية والخلاف الداخلي الذي أخذ يتأزم، ويفرض أحكاماً جديدة حول سلطة واحدة وسلاح واحد، ثم جاءت حروب 2008 و2012 و2014،  لترسخ معادلة جديدة تقوم على تجنب الانحدار إلى حرب جديدة، باعتبار أن الكلفة باهظة وان المعادلة يجب أن تقوم على الكر والفر وليس على أساس المواجهة المفتوحة.

(أصحاب السلاح) مصرون على أن طريقهم هو الأفضل، لكن ذلك لم يمنعهم من دخول مربعات السلطة والمصالحة التي تفرض معادلة لا تتوافق مع كل ما يتطلعون إليه، فكيف يمكن أن تكون جزءا من سلطة أو حكومة (محكومة لاتفاقات سياسية ودعم دولي)، وتمارس المقاومة ضد الاحتلال بكل حرية ؟

لدى (أصحاب السلاح) أسئلة امتحان استراتيجية لم يجاوبوا عليها للان ,واذ لم يفعلوا فان الاستنزاف والعمل اليومي سيرهقهم ويقلل من فرص اقترابهم من لحظة التحرير، وهذه الأسئلة تتمحور حول الهوية والاهداف وادارة الصراع وتمتين الجبهة الداخلية والبحث عن الوسائل الاقوى تأثيراً

مطلوب منهم أن يمتلكوا الشجاعة ليقيموا ويصوبوا، لا أن تغريهم الشعارات الكبيرة ولا أن تجرهم/تستنزفهم الاحداث اليومية، الوطن يحتاج الى عمل أكثر اتقانا..أعمق تفكيرا..أنضج تخطيطاً أجدى وسيلة

يمكن القول -بكل صراحة- ان اسرائيل,ومنذ نشأتها،  لم تتوقف عن تطوير مشروعها الاحتلالي بنسق ونظام وديمومة، رغم كل ما تعرضت له من هجوم سلمي او عسكري، بل هي تتفاخر بما تفعل وتصر على انها ستمضي قدماً، وما قانون القومية الاخير واصرار ليبرمان باغراق الضفة بالمستوطنات إلا خير دليل على ذلك

دعونا نخوض في الأسباب بكل صراحة,أنهم تقدموا في مشروعهم الاحتلالي، ونحن لازلنا نراوح مكاننا او نتحرك ببطء شديد

 أولاً إسرائيل عملت كمنظومة أمنية /سياسية/ عسكرية موحدة في مواجهة الهجوم الفلسطيني(السلمي والمسلح)، فيما واجهته الفصائل متفرقة مشتتة، بل ومتناحرة ومتصارعة، مختلفة البرامج والأهداف والوسائل، وثانياً إسرائيل عملت ضمن خطط مدروسة على المدى التكتيكي والاستراتيجي, وقامت بعمليات تقييم ومراجعة دقيقة وشاملة غاب عنها المجاملات او تسطيح الاخطاء, فيما عملنا نحن باندفاعات وردود أفعال غاب عنها التقدير الاستراتيجي والمراجعات الحقيقية مما أدى الى تكدس الاخطاء وغياب التقويم

ألم تروا أن الفكر الوطني والسياسي للقوى والفصائل (جمد) من فترة طويلة ولم يتطور، وأصبح الكل مشغولا بالتفاصيل اليومية المرهقة( حكومة – مصالحة – تهدئة- كهرباء – وضع اقتصادي مزمن)، مما غيب الفكر الاستراتيجي، وصار لدى البعض نوع من "الفزلكة" التي لا لزوم لها

ثالثاً إسرائيل عملت على تحقيق الأهداف العملية والملموسة، فيما عملنا نحن على تكثير التضحيات والاكتفاء بالإنجازات المعنوية التي تدغدغ العواطف أكثر مما تتجسد على الأرض

رابعاً إسرائيل عملت على الجبهات الخارجية باحتراف سواء على مستوى الإعلام أو الاتصال، وقلبت الكثير من المواقف لصالحها، فيما كان عملنا غير منظم وموزع بين القبائل، وإن كان هناك جهد كبير وملموس، وهذا الكلام لا يعني أن الفلسطينيين لم يقدموا، بل عملوا واجتهدوا، خصوصاً في السنوات الأخيرة في مجال تنظيم الجهود وتوسيع دوائر العمل ،لكن لغاية الآن لم يصل إلى مرحلة العمل الوحدوي والاستراتيجي, لذا هناك جهد كبير في مقابل نتائج متواضعة، وهذا يلزمنا بالتفكير جيداً في وسائلنا وطريقة عملنا.

من أجل أن نهزم هذا السرطان لابد من تفكير يتجاوز الطرق التقليدية.. يتجاوز الأعراف الخاطئة.. يواجه بصراحة وجرأة تراكمات الماضي الثقيلة، ويضع استراتيجية وطنية قوية ومدعمة تستند إلى توافق وطني، ودون ذلك سنظل ندور في التيه ذاته المشبع بالشعارات/الأحلام الكبيرة، ودون ذلك ستظل فلسطين محتلة وسيظل الاحتلال/السرطان يتمدد في أحشائنا، نعود للسؤال الكبير : هل نعمل بطريقة صحيحة ؟