التدين الإيجابي بقلم : د. خليفة علي السويدي

التدين الإيجابي  بقلم : د. خليفة علي السويدي
التدين الإيجابي بقلم : د. خليفة علي السويدي

التدين الإيجابي

بقلم : د. خليفة علي السويدي

الإنسان متدين بفطرته كما يقول علماء الأنثروبولجي، فعندما درسوا البشر الذين انقطعوا عن الناس لعوامل طبيعية كالعيش في أعماق الأدغال وجدوا لكل قبيلة رباً يعبد، وما ذلك إلا تلبية لحاجة في نفس الإنسان تقول له من ربك، بل حتى العرب في الجاهلية قبل الإسلام قالوا عن أصنامهم "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفا ". وجاء الرسل عليهم الصلاة والسلام كي يرشدوا البشرية إلى العبادة الحقيقية المجردة من الشرك الخالصة لله تعالى . ولو أراد الإنسان أن يلخص جوهر الأديان لرأى أنها تتمحور حول نقطتين أساسيتين هما الطرق الصحيحة لعبادة الخالق سبحانه وتعالى، وثانياً التعامل السوي مع المخلوقات وعلى رأسهم الإنسان.

فلو درسنا بعمق ديننا الإسلامي لرأينا تمحوره حول هاتين النقطتين اللتين لو أدركهما المؤمن والتزم بهما لرأينا ما يُعرف بالتدين الإيجابي، ويتناسب الانحراف عن ذلك طردياً مع سلبية التدين، فهل بالإمكان أن يكون لدينا متدين لكنه سلبي في تدينه؟ ما نراه اليوم من ممارسات لدى بعض المتدينين يؤكد لنا إمكانية تحول التدين من القصد الإيجابي إلى الجانب السلبي، فما هي أبرز مؤشرات ذلك الانحراف؟

تحول الاختلاف إلى خلاف مؤشر واضح على التدين السلبي، فمع اختلاف الناس في عقولهم وتصورهم للدين، تنشأ الفرق والمذاهب والجماعات، وهي ظاهرة صحية ما دامت الأصول متحدة. وكان الاختلاف في فرعيات قابلة للاجتهاد، لكن في التدين السلبي تكبر تلك الفروقات، وتضخم وتستثمر حتى تصل الدرجة إلى أن يقول أحدهم للآخر إني أكرهك في الله.. وهل جاء الدين كي يعلمنا الحب أم كي يغرس الكره في نفوسنا؟

المؤشر الثاني على سلبية التدين، يبرز عندما تتحول الاختلافات إلى برنامج عملي ومنهجي، ويصنف الناس حسب ولاءهم للمنهج أو الطريقة أو الجماعة، أو ما يُصطلح عليه اليوم بأحزاب الإسلام السياسي التي فرطت في جوهر الدين باسم التدين وقسمت الناس إلى أحزاب متصارعة. فمن التاريخ المعاصر نتعلم عن قرب الدور السلبي للتدين السياسي.

ففي العراق قديماً لم تكن الأسر تتمايز على أساس مذهبي، فكان السُني يعيش مع الشيعي في تناغم أوصلهم إلى المصاهرة والتزاوج ، ومن جانب آخر كان النصراني العراقي والصابئة يعيشون بأمن ومؤاخاة مع بقية المذاهب. وعندما أوقدت أحزاب الإسلام السياسي المذهبية بينهم، يعيش العراق اليوم على شفا حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس، والمشهد قد يتكرر إن لم ينتبه له في مملكة البحرين حفظها الله من كل سوء.

المؤشر الثالث هو الخداع باسم التدين، فهناك ممارسات يقوم بها البعض ظاهرها الإسلام وباطنها هدم للأمن والأمان، وهذه الممارسات قديمة تم تجديدها... ففي عصر الرسول عليه الصلاة والسلام بنى البعض مسجداً بعيداً عن مسجده عليه السلام في المدينة. كلنا يعرف أن بناء المسجد قربة إلى الله تعالى لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أرشده الوحي إلى حقيقة هذا البناء في قوله تعالى :« وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّاالْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»

نعم هناك أنشطة ظاهرها التدين وباطنها التفريق بين المؤمنين، وبدت هذه الأنشطة في التزايد من حولنا حتى أصبح الحليم حيراناً فيما يرى ويسمع: فمن هو الصادق؟ ومن الكاذب؟ إن كل نشاط يؤدي إلى شحن القلوب سلباً تجاه من حولهم، ويؤجج الفتن هو من هذه الأعمال، التي وجب الانتباه لها وعدم الانخداع بمظاهر التدين فيها، ففي حقيقتها هدم لأهم ركائز الدين، فكن إيجابياً في تدينك واستثمر فيه عقلك.