الفيسبوك هو الجنة... الفيسبوك هو الجحيم / بقلم زكريا محمد

الفيسبوك هو الجنة... الفيسبوك هو الجحيم / بقلم زكريا محمد
الفيسبوك هو الجنة... الفيسبوك هو الجحيم / بقلم زكريا محمد

الفيسبوك هو الجنة... الفيسبوك هو الجحيم / بقلم زكريا محمد

سيمضي وقت طويل حتى نفهم ما فعل الفيسبوك بنا، وباللغة.

الفيسبوك نهاية الجريدة والمجلة والتلفاز. لا يعني أن هذه لن تتواجد بعد اليوم، فبعضها سيظل متواجدا لزمن طويل، وبعضها لزمن قصير. لكنني أقصد أنه لم يعد هناك من حَكَم، ولم يعد هناك من بث موحد. لكل واحد بثه، قناته الخاصة. لكل واحد جريدته ومجلته. والكتابة، التي كانت امتيازا لم ينشرون في مجلات وصحف، انتهت. لم تعد الكتابة امتيازا. لم يعد النشر امتيازا. كل واحد صار كاتبا وناشرا معا. حتى الكتاب المحترفون يستطيعون الآن، وبدرجة ما، العيش بلا ناشر.

الجميع الآن كتاب. الكل يكتب وينشر، باستثناء الأجيال التي لم تتمكن من التعامل مع الإنترنت والفيسبوك. الذين كانوا بألسن خرس نطقا. فتحوا أفواههم وقالوا ما يريدون، حتى لو بكلمة واحدة. أرى بوستات من كلمة واحدة أحيانا: تعبان، أو صداع، فقط. لقد نطق الأخرس أخيرا.

لم يكن بإمكانه أن ينطق من قبل، لا في الجريدة، ولا في الإذاعة ولا في التلفاز. ففي كل تلك الوسائل كانت هناك مصفاة تسمح لنماذج ضئيلة جدا بالنطق. أما الفيسبوك فيدع الكل ينطق. "انطقوا أيها الخرس، وأبصروا أيها العمي"، هكذا يصيح الفيسبوك. قد يعطي هذا إحساسا بالبلبلة الشاملة، كما حصل في قصة برج بابل حيث تبلبلت ألسنة الناس، وافترقت، ولم يعد أحد يفهم على أحد. وهذا صحيح. ثمة بلبلة. لكن لأن الخرس نطقوا مرة واحدة. عشرات الملايين نطقوا مرة واحدة. بلبلة الألسن في بابل كانت عقابا من الله. أما في الفيسبوك فقد تكون منحة من الله إلى حد ما.

أما ما فعله الفيسبوك باللغة فهو أشد غموضا وسرية. ونحتاج إلى سنوات لفهمه. كيف أثر على تركيب الجملة؟ كيف أثر على الأشكال على الأدبية؟ هل ساند بعضها؟ هل حطم بعضها الآخر؟

وماذا فعل بالكاتب نفسه، الكاتب المحترف؟ هل حطمه أم فتح له بابا؟

ثمة أمر شبه أكيد في ما يبدو لي: الفيسبوك يدفع إلى الكتابة بلا توقف. التوقف ممنوع هنا. عليك أن تكتب وتكتب. وأعرف كتابا توقفوا من قبل عن الكتابة، وحين اكتشفوا الفيسبوك كتبوا بلا توقف!

الفيسبوك هو الجنة... الفيسبوك هو الجحيم.