طريق الفتن والاستغلال المعلن بقلم / عبدالله السويجي

طريق الفتن والاستغلال المعلن  بقلم / عبدالله السويجي
طريق الفتن والاستغلال المعلن بقلم / عبدالله السويجي

طريق الفتن والاستغلال المعلن

بقلم / عبدالله السويجي

تنتشر عشرات المحطات الإذاعية والتلفزيونية، الأرضية والفضائية، إضافة إلى المجلات الإلكترونية والورقية في العالم العربي والإسلامي بشكل غير مسبوق، لا تتحدث في الدين بقدر ما تتحدث عن الآخر، وتفصّل أخطاءه وعيوبه وممارساته الخاطئة حتى يصل الأمر إلى التكفير، والآخر هو المذهب والطائفة والدين، وبما أن الدين جزء رئيسي من حياة الناس، فإن الحديث فيه يكتسب حساسية خطيرة، فالكلمة الواحدة قد تهيّج ملايين الناس الذين سيهبون للدفاع عن دينهم ومذهبهم وطائفتهم، وهؤلاء المتحدثون في تلك الوسائل الإعلامية لا يعلمون، أو يعلمون ربما، أنهم يشحنون النفوس بالبغضاء والكراهية والحساسية والانقسام والعداء، وبالتالي يقودونها إلى المواجهة الكلامية ثم المواجهة الحماسية في الشارع حتى تصل إلى الحرب الأهلية، ويعتقد هؤلاء أنهم يجاهدون في سبيل الله! واعتقادهم هذا راسخ لا لبس فيه .

التكفير عملية مرفوضة دينياً، طالما أن الإنسان يشهد أن لا إله إلا الله، أي لا يشرك بالله أحداً، وهو حين يفعل ذلك، فإنه يعترف بكل الرسل والأنبياء الذين أرسلهم الله لهداية الناس إلى الطريق الصواب، ونشر القيم الإنسانية التي تحض على التعايش السلمي والتسامح وتشجيع عمل الخير، لكن البعض ينسى كل ما ورد في القرآن والكتب السماوية الأخرى بشأن التعايش والمحبة، ويصرخ بكل ما أوتي من حبال صوتية، ويلوّح بيديه مستغيثاً محرضاً كأن كبيرة وقعت، مستغلاً عقول الناس البسطاء الذين يتأثرون بالمشهد التمثيلي، والذين لا علم لهم بالحقيقة الراسخة والعلوم والتفاسير، فيسهل عليه شحنهم بالضغينة والعداء حتى يحملون السلاح ويذهبون للجهاد في سبيل الله .

وفي بعض الدول العربية هناك من يستغل البطالة التي يعاني منها الناس والفراغ الأمني والمحسوبيات ليطل برأسه معلناً حرباً على مذهب آخر، ويقوم بسد الطرقات وإقفال المحلات وتعطيل الحياة العامة والتحريض على أبناء ذلك المذهب، من دون أن يدرك، أو يدرك، أنه يسهم في تعطيل مصالح الناس وحياتهم العامة وينشر الأذى في الطريق، ويشعل فتنة إذا ما شبت فإنها لن تبقي ولن تذر، بينما الممارسات الاجتماعية الخاطئة تحيطه من كل جانب، والمشاهد اللاأخلاقية تنتشر في كل مكان سراً وجهاراً .

ويغض النظر عن الفلتان الأخلاقي في الفضائيات التلفزيونية في بلده، والأكثر من ذلك، لم ينطق بكلمة واحدة ضد عدوه الرابض على حدود بلده، ولا يزال يحتل أجزاء منه . وثمة من كان رجلاً بسيطاً يعمل إماماً في مسجد، فإذا به لديه إمكانات مادية هائلة، يتحرك بموكب سيارات لا تحمل أرقاما، ويجمع حوله أنصاره، الذين لا شك يحصلون على دعم مادي، وهو بذلك لا يسهم في نشر الفوضى في بلده ومدينته فقط، وإنما يساعد الشباب على الاستمرار في البطالة، وهؤلاء قد لا يعلمون أنهم قد يدفعون أرواحهم ثمناً للاستعراضات من دون قضية واضحة .

مثل هذا أو ذاك نموذج واضح لما قد يسمّى (الشركات الدينية)، لأنه يشكل وكيلاً لجهة أخرى يتلقى منها الدعم، ويوزعه على أنصاره الذين في أشد الحاجة لما يسد رمقهم، وهذه “الشركات” تنشط نشاطاً واضحاً، ففي الوقت الذي منع الإسلام أن يشكل الدين باب رزق وأن يكون سلعة للمتاجرة، نجد عشرات رجال الدين عاطلين عن العمل، ولكنهم يعيشون في بحبوحة، بل لديهم من الإمكانات ما تجعلهم يدفعون رواتب لمرافقين وحراس شخصيين ويمولون التظاهرات والحملات الإعلامية والإعلانية وليس من يسأل: من أين لك هذا؟

هي ظاهرة تنتشر أكثر ما تنتشر في الدول التي شهدت (الربيع العربي) . أحزاب ومنظمات وتنظيمات وجماعات دينية لا عمل لها سوى إطالة اللحى واستفزاز الناس وتعطيل حياتهم وخلخلة بنية الدولة وزجر النساء والتهجم على من يختلف معهم في الرأي وأسلوب الحياة، ظاهرة مموّلة بالكامل من جهات أخرى، ستؤدي في النهاية إلى فراغ أمني عارم، وتدخل تلك البلاد في أتون حرب مذهبية وطائفية وأهلية، تنتهي بهزيمة جميع الأطراف، وكأن هذه (الشركات) تتقصد هدم الدولة وبناء مناطق نفوذ متقطعة الأوصال، يحكمها رجال دين يدعون أنهم يحكمون بما أنزل الله من تشريعات، وبعض الأحكام تصل إلى الإعدام والجلد وقطع الأيدي والأرجل والتفريق بين الأزواج وغيرها، ضاربين عرض الحائط وجود مؤسسات الدولة وهيبتها ومكانتها، غير مكترثين لاقتصادها المتزعزع وديونها المتراكمة وانهيار بناها التحتية، وغير ملتفتين إلى صورتهم لدى العالم الآخر .

ولم يتوقف الأمر عند الصراع المذهبي والطائفي، بل يحدث في بعض بلدان (الربيع العربي) أن يتهجم هؤلاء على الكنائس فيخطفون الرهبان ويقتلون بعضهم، في محاولة لترحيل أتباعهم خارج البلاد، ففي العراق على سبيل المثال، هاجر أكثر من نصف المسيحيين إلى دول أوروبا وأمريكا منذ إطاحة نظام الراحل صدام حسين، وفي سوريا تعرضت أحياء مسيحية وكنائس لتفجيرات مدمرة راح ضحيتها العشرات، وفي مصر لا يزال الاحتقان ينتفخ يوما بعد يوم بين الأديان .

إن أمر الهجرة لم يتوقف على الأقليات الدينية، ولكن على أبناء الشعب بشكل عام، فنسبة الهجرة تزداد يومياً، وتقول إحصائية إن 30% من الشباب اللبناني الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين إما هاجروا وإما يسعون للهجرة، وكذلك الأمر في الدول الأخرى التي تشهد أزمات حادة في المعيشة والأمن والاستقرار .

لقد بدأت الشعوب تحركاتها بحثاً عن الحرية والديمقراطية والكرامة، وانتهت إلى دكتاتورية من نوع آخر، وهي أصعب وأشد وأمضى حداً من الدكتاتوريات السياسية، والنتيجة أن الإنسان في هذه البقع الجغرافية، لم يحصل على الحرية والكرامة والديمقراطية، وأصبح في مواجهة حاسمة مع مدّعي التدين، والإنسان الفقير لا خيار له إلا مواجهة مصيره . والخوف كل الخوف، أن يكفر بكل الاتجاهات والأحزاب والجماعات، لأنه يراها تعمل على استعباده من جديد، وبشتى الطرق .

ترى، هل من خطوة يقوم بها القائمون على الأقمار الصناعية الذين يمنحون تراخيص لتلك الفضائيات التي تحرّض على الفتنة، وهل من دور يقوم به وزراء الإعلام العرب، أو اتحاد الإذاعات والتلفزيونات العربية، كي يخلصوا الناس من هذا الصراخ المؤذي، وهذا الدرب الذي تجثم الفتنة في نهايته، فاتحة جوفها للقتل والدمار؟ لو أرادوا لفعلوا . .