في مصر العسكر قائمون بقلم : هاشم عبدالعزيز

في مصر العسكر قائمون       بقلم : هاشم عبدالعزيز
في مصر العسكر قائمون بقلم : هاشم عبدالعزيز

في مصر العسكر قائمون     

بقلم : هاشم عبدالعزيز

مصر مفتوحة على انهيار الدولة، هذا واقع ولم يعد متوقعاً أو احتمالاً، والأمر يعود إلى أن “الإخوان” برهنوا في فترة قياسية على أن السلطة هي قضيتهم، ولا يهم أن يكون ذلك على حساب البلاد والعباد، والدليل على هذه الحقيقة أنهم يريدون من الجماهير التي زلزلت وضع نظام مبارك أن تكف عن ثورتها بأهدافها في الحرية والعدالة والكرامة، وبما حفلت من تضحيات، وأن تذعن المعارضة السياسية لوصايتهم .

للإخوان سياستهم، وهي سياسة الاستحواذ، أما قضايا مصر بحريتها وسيادتها، والمصريون بحقوقهم وإرادة ثورتهم فالأقوال جميلة لكنها لا ترتبط بالأفعال .

في أبرز الأوضاع المتداعية يأتي الاقتصاد الذي لا يذكر إلا مترادفاً بالانهيار، وإذا كان من الإنصاف القول إن هذا الوضع موروث من نظام مبارك بفساده، فإن ما يؤخذ على الإخوان مجرد خطوات توقف التداعيات المتسارعة التي باتت تلقي بأعبائها على الأغلبية العظمى من السكان في معيشتهم، وعلى البلاد بما يعني الاستقرار . غير أن الأمر لا يتوقف عند هذا “العجز” أو “الإهمال” و”التجاهل”، إذ باتت المخاطر شاخصة، فالبلد في حال انفلات أمني، وعوضاً عن إعطائه أولوية بات الوضع يوفر لجماعات قريبة من “الإخوان” فرص الاستثمار، وهذا ما تذهب إليه الدعوات إلى تشكيل ميليشيات للقيام بالعملية الأمنية في استسهال دافعه الاستغلال لهذا الوضع الفلتان .

 

على أن أسوأ المخاطر ما بات واقعاً من انقسام في المؤسسات، وأبرزها القضاء وفي الأجهزة مثل الشرطة وفي الإدارة، وهي على أي حال ثمرة من ثمار “الإخوان” الذين يتعاملون مع الدولة المصرية وليس السلطة وحسب، كما لو أنها غنيمة .

ما هو لافت أنه في ظل هذه الأوضاع، ومع فشل التعامل الأمني مع حركة الجماهير المطالبة بالتغيير والانتصار للثورة بأهدافها، ومع تجاهل القوى السياسية، باتت مصر في مشهد مثلث أطرافه: الشارع بانتفاضته التي لن تهدأ إلا بامتلاك ثقة بالمستقبل، وسلطة “الإخوان” التي تحظى بدعم خارجي فيما هي تتآكل قاعدتها في الداخل، والجيش بتاريخه السياسي الممتد قرابة ستين عاماً، ودوره في ذروة الثورة المصرية الذي جمع ما لا يجمع، الجيش وتحت شعار حماية الثورة تسلم السلطة من مبارك، لكنه حكم باستبعاد الثوار، وهو عزل القوى السياسية الوطنية والقومية واليسارية، وسلم السلطة للإخوان وقيل إن الأمور جرت هكذا بخطة من الأمريكيين .

الآن يعود الجيش إلى الواجهة السياسية، وعودته تأتي من خلال استعانة “الإخوان” بوحدات عسكرية لحماية المنشآت والمرافق المهمة في المناطق الملتهبة، كما في السويس وبورسعيد والإسماعيلية، ومنذ فترة بدأت تظاهرات بحشود غير قليلة تطالب بعودة الجيش إلى الإمساك بالسلطة، وبين هذا وذاك غيّر الأمريكيون من إعلاناتهم معارضة سلطة الجيش التي ترددت مرات عدة على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، وهذا التغيير جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي الحالي الذي أعلن عقب لقائه وزير الدفاع المصري منذ قليل أيام “أن واشنطن ما زالت تنظر إلى الجيش المصري كقوة سياسية بديلة” .

وإذا ما أضفنا إلى هذا ما وصف بـ ”تنبؤات” كيسنجر الذي تنبأ “أن يصل الصراع السياسي الحالي في مصر، إلى مواجهة حتمية وتصفية حسابات بين الجيش والإخوان”، فإن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، وفي سياق مشاركته في المؤتمر السنوي لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في نيويورك، علل توقعه بحتمية هذا الصراع على “أن الجيش والإخوان هما المستفيدان الوحيدان من ثورة يناير” .

في القراءة لهذه الإشارات الأمريكية هناك اتجاهين:

الأول: أن الإدارة الأمريكية تمتلك إدارة أمور الوضع المصري من خلال علاقتها بالطرفين (الجيش والإخوان)، وأنها بمثل ما ضغطت على الجيش لتسليم السلطة للإخوان، سوف تدير عند الحاجة عملية تبديل يكون فيها الجيش بديلاً للإخوان، ولن يتم هذا بالقضاء على الإخوان، لكن بإنهاء استفرادهم بالوضع .

الثاني: أن يجري التبديل بإحدى طريقتين: الأولى أن تجري سيطرة الجيش بطلب من مرسي على المناطق منطقة بعد أخرى، يستكملها بالعاصمة لدواعٍ أمنية، أو أن تتداعى الأمور بتسارع، ويرفض الجيش ما قد يطلبه مرسي من تدخل، ويقدم على خطوة سيطرة كاملة، وفي كلا العملين ستكون تصفية الحسابات واردة، ومن المؤكد أن الجيش لن يعود إلى تحالف مع “الإخوان” إذا ما سيطر على الوضع، وأبعد ما يمكن أن يقدمه الأمريكيون لحليفي واشنطن ألا ينزلقا في صراع مدمر .

يبقى أن نشير إلى أن المتظاهرين الذين طالبوا بعودة الجيش، ودعوتهم في الإجمال تلقى معارضة في الشارع الثوري والأوساط السياسية، هي لفيف من بسطاء لا يجدون مقارنة بين ما كان الوضع في ظل سلطة الجيش وما بات عليه الوضع من تدهور، وهناك من يرتبطون بعمل يهدف إلى إعادة تلميع صورة الجيش الذي سلم السلطة من دون حق للإخوان على نحو مستفرد .

 

لكن بين هؤلاء، وهم قد يكونون الأغلب، من يطالب بعودة الجيش، لا حباً به ولكن لحمله القيام بإنهاء الوضع الذي هو فرضه، وهذا أقرب إلى عقاب يلتقي مع قوى التغيير التي تجري الأمور على هذا النحو، وهي في مواجهة مع “الإخوان” وتجاهل من الجيش في آن .

السؤال الآن: هل يدخل الجيش و”الإخوان” في سباق مصيري؟ أم أن اللعبة تدار من قبل الأمريكيين؟

في أي حال لايزال الوقت متاحاً حتى الآن أمام “الإخوان” للتراجع عن غرورهم، والاتكاء على هاوية الرهان على غير الشعب المصري، ومراجعة سياساتهم التي أوصلت مصر إلى مشارف الانهيار .

وحسب خبراء، فإن الكرة في ملعب مرسي للخروج من المأزق، وأولى الخطوات إقالة الحكومة ووزير الداخلية والنائب العام، والتأكيد على رفض “أخونة الداخلية ومؤسسات الدولة كافة”، والتعامل بصدقية وليس التفافاً مع قضايا قوى الثورة المتفجرة في عموم البلاد، والتجاوب مع مطالب المعارضة التي تضع مصر أولاً ومصلحة الشعب المصري فوق كل اعتبار .