الربيع العربي من الأمل للإحباط بقلم : أمين محمد أمين

الربيع العربي من الأمل للإحباط  بقلم : أمين محمد أمين
الربيع العربي من الأمل للإحباط بقلم : أمين محمد أمين

الربيع العربي من الأمل للإحباط

بقلم : أمين محمد أمين

الأنظمة الجديدة أتت بالاقتراع إلا أن غالبيتها أصبحت اشد ديكتاتورية من النظم السابقة مع نهاية عام 2010 وبدايات 2011 وانطلاق شرارة ما سمي ب"الربيع العربي" من تونس وانطلاقها إلي مصر ثم إلي باقي دول الربيع سادت موجات من الأمل والتفاؤل في حياة أفضل لدي غالبية الشعوب المقهورة بحكامها الديكتاتوريين من بن علي إلي مبارك إلي القذافي إلي عبد الله صالح وأخيرا وليس أخر بشار الأسد بعد سقوط الديكتاتور الأكبر صدام حسين قبيل اندلاع ثورات الربيع بسنوات في عام 2003 مع توالي السقوط السريع والمفاجئ وسرعة تداعي الإحداث مع اختلافها من قطر لأخر كانت التغيرات المؤثرة علي الساحة العربية والإقليمية والدولية أيضا والتي يمكن أن تستمر لسنوات وسنوات خاصة أمام حالات الإحباط التي تسيطر حاليا علي المشهد السياسي واللغط والحراك حول مكاسب وخسائر دول وشعوب الربيع ليس علي الجانب السياسي فقط ولكن علي مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والدينية والأمنية والعسكرية والثقافية والفنية أيضا. المتابع للمشهد في دول الربيع من خلال الأتي أولا، ثوراتها في تونس ومصر نجد أن انقسام مجتمعاتها إلي تياران وأكثر بعضها مازال يؤمن بأنها أثمرت وحققت أهدافها بينما تري الأغلبية أنها لم تحقق أي من أهدافها باستثناء تغير ديكتاتور بمجموعة جديدة من الحكام الإسلاميين الأشد ديكتاتورية وتعصب والنتيجة هي تحول الأغلبية الصامتة من حالة المد قبيل عامين إلي الجزر حاليا مما دفع العديد من المواطنين للترحم علي أيام حكامها الديكتاتوريين أمام فقدان الأمن والأمان، وغياب هيبة الدولة ونقص الخدمات وعدم توفر الاحتياجات الأساسية للمواطنين وسط مخاوف من تحول دولهم إلي فاشلة أمام موجات العجز المالي الذي تعاني منه يوما بعد أخر، ورغم ذلك محصلة المكاسب والخسائر لم تتضح بعد نتيجة حالات الحشد السياسي بين قوي الإسلام السياسي والمعارضة الليبرالية في صراع بين محاولات إقامة دولة الخلافة الإسلامية والحفاظ علي هوية الدولة المدنية مما أدي إلي إشاعة بذور الفوضى الهدامة وتغليب إيديولوجية الشارع علي قوة الدولة . المؤكد أن انتفاضات الربيع كما يريد البعض أن يسقط من عباءتها الثورة التي تعني في المفهوم السياسي تغير كامل وجذري فجميع أركان الحياة للأفضل وليس للسوء وآلاما كانت تندلع أمام ذلك نجد أن الربيع العربي فجر ثورات نجحت في إقصاء أنظمة حكم ديكتاتورية علي أيدي ثوار شباب انقياء ليس لغالبيتهم انتماءات إيديولوجية وسياسية ودينية أيضا اجتمعوا تحت شعارات مطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية الغائبة منذ سنوات وذلك كنتيجة طبيعية لانتشار لبطالة والفقر والمرض والجوع نتيجة فساد الحكم وأعوانه، المهم أن الشباب الثائر في مليونيات بالميادين، لم يجنوا ثمار ثوراتهم ولم تولوا قيادة الثورة التي ولدت بحماسهم ولكنهم فوجئوا بسرقة ممنهجة لثوراتهم من تيارات الإسلام السياسي المنظمة والممنهجة والتي حقق لها الشباب الثائر ما كانت تنتظره منذ سنوات في قلب نظام الحكم والاستيلاء عليه مستغلين غياب التنظيم والقيادة لقوي الثورة الشبابية صناع الثورة الحقيقيين . المؤكد أن هناك تباينا كبيرا بين واقع ما تعيشه شعوب دول "الربيع" وبين المأمول منها أن تحققه الثورات التي يتم تقييمها علي مدي ما حققته من إنجازات لصالح شعوبها مع التسليم بافتقادها جميعا للبعد الفلسفي أما البعد العقائدي فهو ما تحاول قوي الإسلام السياسي في دول الربيع إحداثه حاليا وهي تختلف عما قامت من أجله الثورة المصرية عام1952 لإسقاط الدولة الملكية وإقامة الجمهورية، نفس الوضع ينطبق علي ثورة الخميني الإيرانية لإسقاط حكم الشاه وإقامة دولة الملالي الدينية . في ثورات الربيع الصورة مختلفة فقد أسقطت حكام ولكنها لم تعمل بعد علي تغيير الأنظمة السابقة وقوانينها وما زالت غالبيتها بعد مرور أكثر من عامين علي انطلاقها تسير علي نفس النهج السابق في ظل غياب قادتها للرؤية الإستراتيجية للمستقبل والتعامل مع المتغيرات علي الرغم من الوعود البراقة التي أطلقوها من مشروعات للنهضة في مصر أطلقه الإخوان المسلمون في محاولاتهم للسيطرة علي مفاصل الحكم والدولة المصرية وبعد كشف المستور وعدم مصداقية الوعود الانتخابية وتفاقم المشكلات نتيجة عدم خبرة الحكام الجدد كان التعامل لحلها بأسلوب التسكين والحل الجزئي للمشكلات والتي لم تنجح في معالجة المشكلات الاقتصادية التي تردت أوضاعها يوما بعد أخر نتيجة تراجع الواردات والدخل القومي وانعكاساتها علي الدخل القومي وانهياره مما أدي إلي اتجاه غالبيتها إلي معالجة مشكلاتها الاقتصادية علي حساب المواطن برفع الأسعار وفرض المزيد من الضرائب والاقتراض الخارجي لسد العجز في موازناتها، وهو ما كانت تعتبره من عوامل فساد الأنظمة السابقة الذي نجح الثوار الحقيقيين في إسقاطهم وسطا عليهم الحكام الإسلاميون الجدد والسياسين القدامى الطامعون في وراثة كرسي الحكم . وعلي الرغم من المناخ الديمقراطي الغير متكامل الذي أتي بالأنظمة الجديدة من خلال صناديق الاقتراع إلا أن غالبيتها لم تمارس ديمقراطية الحكم بل أصبحت اشد ديكتاتورية من النظم السابقة من خلال اعتمادها علي إستراتيجية العداء للنظم السابقة التي ألقت بها في السجون لسنوات طويلة وتريد أن تعوضها من خلال العداء المطلق لأعوان النظام السابق وللمعارضين أيضا الصورة لا تختلف كثيرا في معاملات حزب النهضة الإسلامية في تونس بقيادة السيد راشد الغنوشى والمعارضين له حرب ضروس رغم الترويكا الحاكمة إلا أن الواقع أثبت أنها هشة وأن الحاكم الحقيقي لتونس الغنوشي وحزبه بدكتاتورية مفرطة أدت إلي فقد الحزب الإسلامي الكثير من شعبيته، التي دعمت سطوته علي الثورة وسرقتها من الشاب بوعزيزي ورفاقه الذين ضحوا بحياتهم من أجل حياة أفضل لشعبهم ولكن واقع العامين الماضيين كشف أن تضحيات شباب الثورة سرقت أيضا من أجل سيطرة التيارات الإسلامية التي تريد تغير هوية تونس المدنية إلي الدولة الدينية المتزمتة، الصورة في ثاني دول الربيع في مصر اندلاع ثورة شباب اللوتس سطت علي التيارات الإسلامية من إخوان مسلمون وسلفيون وحازمون وأهل السنة وغيرهم من التيارات التي ما تزال محظور عملها في الشارع السياسي تحت عباءة الدين في دولة غير متشددة علي مدي تاريخها تتمتع بالوسطية الدينية إلي جانب شركاء المجتمع المصري من الإخوة الأقباط والمسيحيين وسط مخاوف من تكرار تجربة الترابي في السودان مما أدي إلي انقسام السودان إلي دولة مسلمة في الشمال ومسيحية في الجنوب ما يحدث في مصر هو إصرار الفصيل السياسي للإخوان المسلمون "حزب الحرية والعدالة " السيطرة علي جميع مفاصل الدولة وأخونتها من خلال إقصاء المعارضين من جبهة الإنقاذ وغيرها إلي جانب الفلول من أعوان النظام السابق والعمل علي تقديم قادتهم للمحاكمة وفي مقدمتهم المرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق المطارد حاليا من الانتربول وسط تساؤلات في الشارع المصري هل كان سيقدم للمحاكمة إذا فاز بكرسي الرئاسة علي منافسه الدكتور محمد مرسي الذي هرب من سجن وادي النطرون مع اندلاع أحداث الثورة ليفوز بدعم الأخوان بكرسي الرئاسة علي الرغم أنه مرشح بديل لخيرت الشاطر السجين أيضا في عصر مبارك . وإذا كان الصراع بين الإسلاميين الجدد وأنصار الحفاظ علي مدنية الدولة يتجسد في مصر وتونس إلا أنها تختلف في ثالث دول الربيع ليبيا التي نجحت في الهروب من سيطرة تيارات الإسلام السياسي السني عليها ولكنها مهددة بالصراعات القبلية مع القذاذفة وأعوان النظام السابق إلي جانب محاولات البربر والامازيغ السيطرة والاستقلال بالمنطقة الجنوبية مع التهديد بانقسامها إلي 3 دويلات وأكثر مع تصاعد حدتة المعارك والحرب الأهلية التي تهدد بقاء واستمرار الدولة التي تمتلك احتياطيات كبيرة من النفط والغاز كانت وما تزال مطمع للعديد من قوي الداخل والخارج . رابع دول الربيع اليمن الذي كان علي مدي تاريخه سعيدا تحول إلي التعاسة علي مدي حكم علي عبد الله صالح وازدادت تعاسته علي مدي عامي الثورة التي ستعود بعدها من حالة الوحدة إلي الانفصال بين شماله وجنوبه.خامس دول الربيع سوريا الملطخة بدماء شهدائها بحاجة إلي سنوات لتضميد الجراح التي لم تلتئم بعد. أمام هذا الواقع المؤلم لفقد آمال شعوب دول الربيع العربي وإصابتها بالإحباط أمام عدم تحقيقها لأي هدف من أهداف الثورة إلي جانب حالة الإحباط واليأس العام التي تغلف حياة غالبية شعوب دول الربيع أمام تزايد معدلات الانفلات الأمني والانهيارات الاقتصادية المتصارعة والانقسامات المجتمعية والخوف من المستقبل الذي لم تتضح معالمه بعد للأفضل بل تشير جميع مؤشراته إلي السوء وهو ما دفع البعض للتباكي علي الماضي بكل أخطائه ودكتاتوريته وهو ما يستلزم سرعة فتح حوار مجتمعي لإنقاذ الثورات لصالح شعوبها فهل يتحقق الحلم أم أن ثورات الربيع العربي انطلقت من أجل القضاء علي ما تبقي من دول عربية كبري يتم القضاء عليها بأيدي أبنائها الثوار .