حَذارِ من مَكرِ الثعالبِ في مَصيَدَةِ الذِّئْبْ .. بقلمآصف قزموز

حَذارِ من مَكرِ الثعالبِ في مَصيَدَةِ الذِّئْبْ .. بقلمآصف قزموز
حَذارِ من مَكرِ الثعالبِ في مَصيَدَةِ الذِّئْبْ .. بقلمآصف قزموز

في قديم الزمان وسالف العصرِ والأوانْ، تآخى ثعلب وذئب وتساكنا الإثنانْ ، على أساسِ شَراكَةِ الغُنْمِ والغُرمِ وبالحَبِّ ذي العَصْفِ والرَّيحانْ، فنال الثعلب من الظُّلمِ والعُسْف مالم يكن في الحِسبانْ، من حيوانٍ ولا إنسٍ ولا جانْ ، إذ كان الذئب يستأثِر في الصيد ولم يأخذ للعدلِ ولا الشراكةِ شانْ، ولا لصوص ومنافقي الحُكَّامِ والإخوانْ، وقَنَّاصي الجَاهَ والمال بجلبابِ السُّلْطانْ، وكراسي الحُكْم الداعِرِ في هذا الزمانْ.

 ولما ضاق الثعلب ذرعا قال للذئب :

 اعدل ولا تظلم يا سيدي فالعدلُ أساس المُلْك والصُّلح سيد الأحكام.

 طبعاً، وكعادة الحكام والمسؤولين في غِيِّهِم، عندما يأتيهم ناصحٍ من أنفسهم، عزيز عليه ما عَنِتوا حريص عليهم  ، طار ضَبان مُخُّه ويِكفيكُم شَرُّه، يعني لولا حِلِم الله وْتدارُك الثعلَب وتراجُعِهِ عن موقفه مُعتذراً وطالباً الصفح، لَطار راسُه وِلْتَعَن أفطاس أفطاسُه.

 يَحُطُّ شَنَآنُ الذئبِ رحالَهُ والثعلب يُضْمِرُ الشَّرَّ والمَكيدَة، وفي أحد الأيام يصادف الثعلب ثغرةً كبيرة في سياج مزرعَةٍ كبرى كمزارع الأغوارِ لدى لذواتِ الكِبارْ، ولما بَرَمَ  وَتَحَبْرَمَ ودار حولها بخبرته ودهائه، اكتشف  حفرة كبيرة تحت الفَتحة مباشرةً، وُضِعَت لاصطياد الوحوش المتسلِّلَة، فيقول في نَفسِه: والله أجَتَك يا ابو لِحصين ماشْيِه عَ رِجْليها، ولا لَحْرِق الجَنْب اللي انْجَعى عليه سيدو الأوَّلاني، والله لاطَلِّعْ مِنُّو الخامِر وِالْعَوِيصْ.ثم يذهب الى الذئب ويقنعه بالغنيمة الكبرى التي يمكنه الحصول عليها من المزرعة المذكورة، فينطلق من فوره كالسَّهم نحو المزرعة، وما أن قفز الذئب من الفَتْحَة حتى خَرَّ على بوزِهِ في قَعْرِ الحُفرة، وما أكثر الذين يسقطون على بوزْهُم بِشَرِّ أعمالْهُم، دونما إغفالٍ لوجود ناس بْتاكُلْ جاجْ وناس ابْتِقَعْ في السْياجْ.

 نظر الثعلب من عَلياء الحُفرَة شامتاً مُتَشَفِّياً مُخْرِجاً لِسانَه ليَغيظ الذئب وقال:

 أخيراً وْقِعِت يا ذيب الكَلْب يا أبو بَطْنِ اجْرَبْ يا جبانْ، وَلَك جَوَّعْتْني وِاتْجَرَّبِت فِيِّي حَسايِبْ يا واطي.

 فاخذ الذئب يتظاهر بالتوبة وِيْبوسِ القَدَمْ، وُيِبْغي الندمْ، على غَلطِتُه بحق الثعلب وحق الغَنَمْ، مُبدياً وَرَعاً وَتَقوى وتَضَرُّعا، ولا خنازير الجوامع الأفَّاكين ممن يتاجرون بالدين في أسواقِ النَّصبِ والسياسة، وقلب الثعلب يَجُرُّ منهُ الأدْمُعَا. فاستدار أبو الحُصَين وأنزلَ ذيله داخل الحفرة ليخرج الذئب ، وإذا بالذئب يجذبُهُ  منه أرضاً داخل الحُفرَة ، فسَقطَ المَتْعوس على خايْبِ الرَّجَا وأصبحا في الهوى سوى وفي الهَمِّ شَرْقُ. وصاح به الذئب غاضبا: والله لَلْعَن بَيْ بَيَّك يا قليل الأصِل، وَلا إنتِ تِضحَك عَلَيْ، والله لَعْمَل من جِلْدَك دِرْبَكِّة وْنَعِلْ صُرْمايِة يا صُرْمايِة وِبِن سِتَّه وْسِتِّين حَفَّايِة، وأنشَدَ بقول الشاعر:

 إذا ما الدهر جرّ على أناسٍ كَلاكِله أناخَ بآخرينا

 فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا

 وبسرعة الثعلب فات لَفِّ بْذِيْلُه سَبِع لَفَّاتْ، وبديهَتِهِ الحاضِرَهْ، وحِيَلِهِ الماكِرَهْ، فكَّر سريعاً بوسيلةِ تُنجيهِ من براثِنِ الذئبِ، متمثلا قول الشاعر:

 عِشْ في الخِداع فأنت في زمنٍ بَنُوه كأُسْدِ بِيشَهْ

 وأدِرْ قَناةَ المكَرْ حَتَى تستديرَ رَحى المَعيشَهْ

 وصِدِ النُّسورَ فإِنْ تعذَّ رَ صيدُها فاقنَعْ برِيشَهْ

 وقال للذئب مُستَرحِماً : أقسم أنني ما جِئْتُ إلاَّ لإنقاذك تقديراً واحتراماً على حسن توبتك، وها انت تسقطني معك، يعني بدل لِمصيبِه صِرنا بِمْصيبْتين !! ولكن هناك طريقة تِنقِذنا إحنا لِثْنين، وهي أن أقف على ظهرك فأخرج خارج الحفرة، ثم أحضِرُ حَبلاً أنْشِلَك فيه من الحُفرة. فقبل الذئب الفكرة وحمل الثعلب على ظهره وأخرجه، ثم قال للثعلب: هيَّا إوْفِ بِوَعْدَكْ.

 فأجابَ الثعلب: آآآه، بالمِشْمِشْ يا روح إمك، شايِفني مْهَوِّي زَيَّك يا طْرُبْشْ، خليك استنَّى تا شُوف مين بِدو يْطولَك يا أوطى من شَفْرَة وْضَبان كُنْدَرَة وْخِرْقِة وْشَلَتِه مْقَطَّعَة عالعَتَبِه. كِنَّك مِش قاري شو قالواعني، وَلَك أنا أول من تاجَرَ وتَدَثَّرَ بِثِياب الواعظينْ، أجوب الأرضَ هَدياً وأسُبُّ الماكِرينْ، أنا مَلِكِ السَّفالِه وِالوَضاعَة عديم الذِّمِّة وِالدينْ، أنا المستشار الأول لعموم الشياطينْ، أنا السافِلِ الموصوف أنا أسفل السافلينْ، إنتِ جايْ تِعْرُج بْحارِت مْكَرْسَحينْ، مع إنك هَجينْ وجبان واقِع بِسَلِّة تينْ، جِدِي ما بِيْلْعَب عَ تيس اسأل جْدودَك الأوَّلينْ، وِاْسودَكْ وغُزلانَكْ الحَمامِه وْمالِكِ الحَزينْ، روح شُفلَك بِسِّة بَلِّكْ عِينِيها يا امْخَمْخِمْ ورى الرِّعْيانِ السَّارْحينْ. ثم مضى.

 هذا السلوك الذئبَوي الثعلباويِّ الماكر، يُمارَسُ  اليوم جهاراً نهاراً على امتداد الوطن العربي، وغالباً ما يستوطن في أطُرِ ومُتون سياسات التخويف والتخوين ونظريات المؤامرَة، سواء على مستوى العلاقات بين الأفراد أو الجماعات  والدول، وميدان الربيع العربي خير شاهدٍ ودالٍّ على صِدقية هذه الحقيقة.

 بالمناسبة، قيل أنه عندما وقَّعَ رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل اسحق رابين اتفاق أوسلو، واجه انتقاداتٍ لاذعة من قوى التطرف الصهيوني، كان من أبرزها ما قاله اسحق شامير بما معناه: لو كنت مكانك لفاوضت الفلسطينيين عشرين عاماً على الأقل قبل هذا التوقيع. وفعلاً تداركوا أمرهم وعطلوا ودمروا كل شيء وأفرغوا الاتفاق وعَطَّلوه، ليفاوضونا بأثرٍ رجعي ما يقارب العشرين عاماً دون أي تنفيذ أو التزامٍ يُذكَر، ويا عالِم.

 واليوم ربما يشغلوننا ويشاغِلوننا بالتفاوض، بين مبتدأ وخَبَرْ، نَتَلَطَّى سنواتٍ أخَرْ،  وقصة ابريق الزيت دون مُستَقَرْ، ليفاوضونا ليس على تطبيق الاتفاق وحدود الأرض والدولة، وإنما هذه المَرَّة وكما تعودنا، على قبول إسرائيل المشروط والمُشَرَّط جداً لقرار الأمم المتحدة حول عضوية الدولة المراقبة في الأمم المتحدة.

 سلوكيات الثعالب الحمساويينْ،ممن لا يُحْيونَ دُنيا وَلا دينْ، عَبرَ دعوات وتصريحات في سياق كلام حقٍ يُراد به باطل لِزِجُّنا أسفَلَ سافلينْ، لم يكن آخرها دعوات بحرٍ وهنية والزهار بإشعال النارفي انتفاضة ثالثة باسم الدينْ، وهم العارفون عِلم اليقينْ، بأنها حُلُم المتطرفينْ، وأعداء السلام من الإسرائيليينْ، ستُثلِجُ صدورهم وتديم الخرابِ وبالاً على رؤوس الفلسطينيينْ، الذين ما زالوا من دمهم وحقوقهم لفاتورة الانتفاضة الثانية مُسَدِّدينْ. ولعل مصداق قولنا في مكرهم يمتد دماراً وخراباً والله خير الماكرينْ، وشاهدنا بطول حبل حروبهم وعملياتهم العسكرية توقيتاً وأرواحاً  وهو خير الشاهدينْ.

 ليس هذا وحسب، فلقد قدموا مراراً وتكراراً عروض السْتْرِبْتيز السياسي للإسرائيليين سراٍّ وعلانية، وضاربوا في السياسة على منظمة التحرير والمشروع الوطني الساعي لقيام دولة الشعب الفلسطيني، وها هم يمهدون مَلْهوكين مُتَهالِكين ببطونهم الجرباء لدولة بحدود مؤقتة لا تتعدى حدود المصلحة الحزبيهْ، على ومن حساب الشعب والوطن وجُلُّ القضيهْ. نعم، لقد تاجروا وعلى رؤوس الأشهاد بالموت وبالحصار والدمارْ، فكانوا لشعبهم خازوق الأمسِ واليوم وفي العُنطَرَةِ مسمارْ.

 وعن عبث الإخوان في مِصرَ وبلاد الشام، رَهْطُ ثعالبٍ حَطَّتْ في مَذْئَبَه، بين قَتْلٍ وجَهلٍ ودمارٍ في أيامٍ ذاتَ مَسْغَبَه.

 ومع أن سقف التوقعات وحدود الأمل بزيارة الرئيس أوباما لفلسطين ما تزال عالية برغم كل المُحْبِطاتِ والمُثَبِّطاتْ اليومية من الاحتلال. وفي هذا المقام فإنني أعتقد أن على شعبنا الفلسطيني أن يستقبل الرئيس أوباما بشكل حضاري يليق بضيفٍ كبير بقامة الرئيس أوباما، وبالتالي يجب أن يرى الوجه الحضاري الحقيقي للشعب الفلسطيني، متمثلين مقولة الكبير هو من يُكبٍّر الناس  والصغير هو من يُصَغِّر الناس، ولا معنى ولا مصلَحَة لشعبنا في أية ردود أفعال أو ممارسات  مُسيئَة، لا بل ومُكْلِفَة لنا يستفيد منها الأعداء والخُصوم ويبقى شعبنا الخاسِرِ الوحيد بلا مؤازر.

 فحذارِ حذارِ من الثعالب الساعية لإسقاطنا في الفَخ المُتَمَوِّجَهْ، والمزايدين من دعاةِ الانتفاضِ والثَّورَجَهْ، ومُستَدرِجينا لانتفاضة ثالثة مُتَدَحْرِجَهْ. فإن حَصَل سنسقط في حفرةٍ لا قرار لها ولا فَضَا، فَنتَرَحَّم على بائِسِ أمْسِنا الذي مَضَى. فالاستفزازات والتعديات العنصرية غير المسبوقة، تنادي اليوم بِعِلوِ الصوت ونعيق الغِربانْ في الأرض المَحروقَهْ، يا مين يوَلِّعها وإلُو مِنَّا عَبايِه.. مسروقَهْ.