خليج... بلا أحزاب بقلم : د. عبدالله العوضي

خليج... بلا أحزاب  بقلم : د. عبدالله العوضي
خليج... بلا أحزاب بقلم : د. عبدالله العوضي

خليج... بلا أحزاب

بقلم : د. عبدالله العوضي

ليس هناك في منطقة الخليج تاريخ يذكر للعمل الحزبي السياسي، بمفهوم التداول على السلطة، لأن البيئة القبلية لم تخلق مكاناً لنشأة أي حزب مهما كانت صفته.

فالبيئة القبلية في حد ذاتها لم تسمح بتقسيم ولاءات أفرادها بين القبيلة والحزب، فالولاءات في هذه المنطقة كانت دائماً مقصورة على القبائل المعروفة بمشايخها، ولم ينازع في تدبير شؤونهم أحد، حتى بعد دخول الاستعمار البريطاني على الخط، لم تتغير ولاءات الناس تبعاً لهذا الظرف الطارئ.

وهذا لا يعني أن الأفكار الحزبية لم تطأ المنطقة، لأن الخليج جزء من العالم العربي المفتوح على الجميع، من الطبيعي أن يتأثر بعض الأفراد بالأفكار التي سادت بعض الدول العربية التي حكمتها أحزاب مسيسة، وقد يكون جل من تأثر بهم فئة المبتعثين للدراسة في جامعاتها أو القادمين من هناك إلى هنا لداعي العمل.

فمنطق الحزبية لم يؤت ثماره لأن الأرضية كانت رافضة ابتداء لهذا النهج الغريب، فضلاً عن المباشرة وعمق التواصل في التعامل اليومي بين الحكام وشعوبهم بدول الخليج. ولم يصل الأمر إلى إنشاء حزب معين، لأن طريقة الحكم وتداوله طوال القرون الماضية بنيت على الوفاق والتفاهم المجتمعي، فالصيغة التي تآلف عليها الحكام مع شعوبهم أسست عقداً اجتماعياً من نوع خاص لا يحتاج إلى أن يقوم حزب بالتصديق عليه حتى يكون شرعياً وفق المفهوم السياسي لبناة الأحزاب في العالم العربي. فشرعية الحكم في الخليج هنا سابقة بقرون على تاريخ نشأة الأحزاب رسمياً في بعض الدول العربية، فهي شرعية تلغي عمل الأحزاب، وبالذات ممن لديها أجندات تزيد من خراب الديار بدلاً من المساهمة في إعمارها وتنميتها وفقاً لأحدث ما توصل إليه العالم من تقنيات الحداثة والمعاصرة. وتجارب الأحزاب في دولها أثبتت فشلها في الوصول أو الاقتراب من المنظومة الخليجية في التقدم والبناء، وهذا هو المحك والواقع الذي يتحدث عن نفسه دون الحاجة إلى شهادة الآخرين.

وبما أنه في الخليج لم يؤسس حزب واحد يساير هوى الحزبيين في العالم العربي، فإن الجزاء كان سنمارياً، خاصة بعد غزو العراق للكويت، وإلى ساعة «الربيع» الذي تحول إلى «خريف عربي»، فإن نظرة الحزبيين لم تتغير بدول الخليج مع تغير العالم من حولنا، إلا أن المتمسكين بتلابيب أحزابهم لا يزالون مغيبين عن الوعي السياسي الحقيقي في الحفاظ على الأوطان.

إن الحُكمْ الجاهز على الخليج حكومات وشعوباً على أساس أنها «بقرة حلوب» أو «براميل من النفط والغاز» أو «خيمة أميركية» وكل هذه الوصمات السلبية ما المصلحة من وضع الخليج في هذه الزاوية التي لا تدل إلا على ضيق صدر هؤلاء بالخير الذي منّ الله به على الخليج وأهله، وعلى رأس هذا الخير العميم حكام عرفوا حقيقة شعوبهم فساسوها بقلوب مفتوحة وصدور حانية قادرة على احتضان الجميع ومطالب لا تحتاج من الشعوب الخروج في مظاهرات ومسيرات مدمرة للبلد من أجل تحقيقها، فليس هناك شيء اسمه معاناة الشعوب من حكامها، بل هناك معاينة مستمرة من قبل الحكام في السعي إلى إسعادها وتوفير كل ما يرفع من شأن المواطن الخليجي في بلده، دون أن تراق في سبيل تحقيق ذلك قطرة دم واحدة، ولا حتى إهدار دمعة عزيزة على قادة الرشد فيها، فإذا كانت للدم قبل الدموع المسكوبة على مدار الساعة في بعض الدول العربية قيمة تذكر أو معنى معتبر، فلم لم يلب قادة تلك الدول مطالب شعوبها في العيش الكريم، أليست المفارقة صارخة والمقاربة والمقارنة بين دول الخليج والدول الأخرى ظالمة؟