استحضار الجيش والضبطية و عسكرة السياسة بقلم: أحمد سيد احمد

استحضار الجيش والضبطية و عسكرة السياسة  بقلم: أحمد سيد احمد
استحضار الجيش والضبطية و عسكرة السياسة بقلم: أحمد سيد احمد

استحضار الجيش والضبطية و عسكرة السياسة

بقلم: أحمد سيد احمد

يتجه المشهد في مصر نحو مزيد من الخطورة والضبابية مع تصاعد الاتجاه صوب عسكرة السياسة سواء كانت في دعوات البعض بإعادة الجيش إلي السلطة وملء الفراغ المصطنع, أو مع إقرار الضبطية القضائية للمواطنين, بما يمهد الطريق لتشكيل ميليشيات مسلحة لحفظ الأمن بديلا عن الشرطة, وهو ما يمثل انتكاسة للديمقراطية ومزيدا من الانجراف صوب طريق مسدود. الاتجاه المتزايد نحو عسكرة السياسة الذي كشفته التفاعلات الأخيرة يعكس فشل واضح من الجميع في الخروج من حالة الاستقطاب السياسي الحادة والتدهور الاقتصادي والانفلات الأمني وانتشار مظاهر العنف, ويقع هذا الفشل علي عاتق كل من السلطة والمعارضة ومعها القوي الفاعلة الأخري في المجتمع خاصة الإعلام, فالنظام الحاكم باعتباره يمتلك دفة الأمور تقع عليه المسئولية الأكبر في نشوء االأزمة التي تعيشها مصر منذ شهور, وذلك بإصراره علي معالجة الفترة الانتقالية الاستثنائية بحلول تقليدية تجاه الأزمات الطاحنة التي تأتي علي رأسها أزمة السولار وتعثرات الاقتصاد الأخري, كذلك الإصرار علي السير في المسار الديمقراطي الانتخابي وبناء مؤسسات الدولة دون تهيئة البيئة التي يسير فيها هذا المسار بنزع مسببات الاحتقان وأزمة الثقة بين تيارات وقوي المجتمع. وإذا كان النظام يعتبر أن هناك ما يشبه المؤامرة في وجود أطراف تسعي لخلخلة المجتمع وتعميق أزماته الاقتصادية والأمنية لإثبات عجزه وفشله في إدارة الحكم, ومن ثم تبرير تدخل الجيش باعتباره الخيار الأقل سوءا, فإنه, وإن كان معه بعض المنطق, لا يمكن الارتكان فقط إلي ذلك دون وجود معالجة حقيقية ورؤية وحلول خلاقة تقود المجتمع وتفاعلاته صوب الاستقرار السياسي والأمني وتفوت الفرصة لتحقق هذا السيناريو. وفي المقابل فإن رهان البعض علي تسخين الدولة توطئة لتدخل الجيش باعتباره الحل العملي لإزاحة التيار الإسلامي انطلاقا من أن الخيار السياسي والانتخابي لن يمكنهم من ذلك, فمخرجات الصندوق سوف تفرز دائماهذا التيار, فهو رهان خاسر وخاطئ, فأهم إنجازات الرئيس مرسي حتي الآن هو إعادة الجيش لوضعه الطبيعي في أداء دوره الأساسي في حفظ الأمن القومي والدفاع عن الحدود وإبعاده عن تفاعلات السياسة ومشكلاتها, كما أن العسكرة تنافي المفهوم الديمقراطي الذي قامت من أجله ثورة25 يناير في تحقيق حكم مدني عبر تداول سلمي للسلطة ومن خلال انتخابات نزيهة, لأن تجربة الحكم العسكري قد أثبتت فشلها وضمورها في كل دول العالم الديمقراطي, كذلك فإن هذا الرهان يكشف عجز تلك الاتجاهات السياسية عن بذل جهود حقيقية لتصحيح الخلل في الخريطة السياسية ومنافسة التيار الإسلامي, عبر زيادة الالتحام الجماهيري وبناء قواعد شعبية وأحزاب قوية تمكنهم من إزاحة الإسلاميين عبر الصندوق. وذات الخلل في التفكير وعسكرة السياسة يتمثل أيضا في منح الضبطية القضائية للمواطنين للقبض علي الخارجين علي القانون, فخطورة هذا الأمر أن تداعياته السلبية أكثر من فوائده وأهدافه ومبرراته وفقا للقانون الجنائي, فهو يستبدل مفهوم الدولة ووظيفتها الأمنية بمفهوم تشكيل ميليشيات لتحل محلها, كما أنه في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر من حالة الاستقطاب السياسي, ستتحول الضبطية إلي أداة تغذي الصراع بين القوي السياسية عبر العنف, فيمكن لشخص ينتمي لتيار سياسي معين أن يوظفها للانتقام من شخص آخر ينتمي لتيار سياسي معاد له, وهو ما يمهد البيئة المصرية لانتشار الميليشيات المسلحة وفقا للقدرات المالية والتدريبية لكل فصيل. وهكذا فإن اتجاه عسكرة السياسة يقود مصر إلي مزيد من الخطورة وينقلها إلي مشهد آخر أكثر سوءا لا يمكن السيطرة عليه, ولذلك فالمخرج الحقيقي هنا ليس المعالجة الأمنية أو تغذية بيئة الصراع وإنما معالجة سياسية شاملة تنزع فتيل الأزمة الحقيقي, وهو ضرورة التوافق السياسي بين القوي السياسية الإسلامية والمدنية عبر الحوار الجاد والمصالحة الشاملة من أجل إنقاذ سفينة الوطن من الغرق. تحتاج البلاد إلي نخبة مخلصة من النظام والمعارضة لتصحيح تشوهات العملية السياسية وألغامها مثل الدستور وقانون الانتخابات وتشكيل حكومة محايدة تعالج مشكلات المجتمع العاجلة, كما تحتاج إلي تقوية جهاز الشرطة وإبعاده عن الصراعات السياسية وتزويده بالمعدات والأسلحة وتحويله لجهاز وظيفي محترف لحماية أمن المواطن وليس لحماية تيار سياسي معين, وذلك في إطار استعادة الثقة بين المواطن ورجل الشرطة, بحيث يميز في تعامله بين المواطن الشريف وبين الخارج علي القانون ويطبق المعايير القانونية ومعايير حقوق الإنسان في أداء وظيفته. كلما استمر النظام في التعامل مع التحديات الحالية بالمنهج التقليدي ومنطق الحديث فقط عن مؤامرة, و استمر اتجاه البعض لإشاعة الفوضي والعنف والرهان علي الجيش كوسيلة للتغير السياسي, أي أنه كلما استمرت عملية عسكرة السياسة, زاد المشهد المصري تعقيدا وانزلاقا إلي نفق مجهول ستدفع ثمنه مصر تكلفة كبيرة, سواء في استمرار دوامة العنف والتخريب أو عرقلة التطور صوب الديمقراطية الحقيقية والانطلاق نحو تحقيق النهضة الاقتصادية التي تلبي طموحات وتطلعات المواطنين بعد الثورة