الانتخابات المصرية... الأمل واليأس بقلم ... د. وحيد عبد المجيد

الانتخابات المصرية... الأمل واليأس  بقلم ... د. وحيد عبد المجيد
الانتخابات المصرية... الأمل واليأس بقلم ... د. وحيد عبد المجيد

الانتخابات المصرية... الأمل واليأس

بقلم ... د. وحيد عبد المجيد

لم يعد هناك خلاف تقريباً على أن استيعاب دروس التجارب التي يمر بها البشر هو أحد أهم عوامل التقدم والرقي. فإذا لم يستطع الإنسان استيعاب هذه الدروس، يمكن أن يكرر الأخطاء التي يستطيع تجنبها. وهذا هو ما يحدث الآن بشأن الإعداد للانتخابات النيابية المصرية التي ستبدأ في الأسبوع الأخير من الشهر القادم.

فقد أدى عدم استخلاص دروس انتخابات عام 2011 البرلمانية إلى استمرار العمل بالقانون الذي أجريت على أساسه، مع تعديلات طفيفة لا تكفي لضمان انسجامه مع الدستور الجديد، وبالتالي تجنب احتمال حله بعد شهور. ويعني ذلك عدم استيعاب تجربة انتخابات عام 2011 التي أنتجت مجلساً تم حله بعد ستة أشهر من انتخابه.

ولا يقل أهمية عن ذلك أن تعديلات قانون الانتخاب لا تمس مشكلته الأساسية وهي النظام الذي يقوم على انتخاب ثلثي أعضاء مجلس النواب بنظام القائمة المغلقة وثلثهم بالنظام الفردي. ويعني ذلك إصراراً على عدم استيعاب دروس تطبيق القانون القائم على هذا النظام الانتخابي المزدوج، وما أدى إليه من مشاكل. فهذا النظام الذي توجد فيه بطاقتا اقتراع مختلفتان ومنفصلتان هو بطابعه أصعب من النظام الموحد، وخصوصاً بالنسبة إلى الناخبين الأميين والأقل تعليماً، ويتطلب بالتالي وقتاً أطول مما هو معتاد في نظام الانتخاب الأحادي.

ولذلك ستستغرق الانتخابات المقبلة، التي أُعلن فتح باب الترشح لها السبت الماضي، شهرين كاملين حيث تم تقسيم المحافظات إلى أربع مراحل يفصل بين كل منها أسبوعان وتخصيص يومين لكل مرحلة.

وهذا حل اضطراري، ولكنه ليس مفضلًا. فالأصل في الانتخابات هو أنها تُجرى كلها في يوم واحد أو في يومين متتاليين على الأكثر، لأن إجراءها على مراحل يفصل بين كل منها وقت لا يعتبر قصيراً (في حدود أسبوعين) قد يؤثر في اتجاهات الناخبين واختياراتهم. فربما يتأثر الناخب في المراحل الثانية والثالثة والرابعة بنتائج المرحلة السابقة لكل منها. وقد توافرت مؤشرات على ذلك في الانتخابات السابقة التي أجريت على ثلاث مراحل عام 2011.

ورغم وضوح سلبيات النظام المزدوج فيها، فقد أُعيد إنتاجه لأنه يخدم الأحزاب الأكثر تنظيماً وتمويلاً. ولذلك أصر عليه حزب «الإخوان» لأنه يراهن على حصد معظم المقاعد التي سيجري الانتخاب فيها بالنظام الفردي كما حدث عام 2011.

وهكذا وضع هذا الحزب مصلحته فوق كل اعتبار وأصر على إجراء الانتخابات على أساس قانون يؤدي إلى التعقيد بدلاً من التيسير على الناخبين. وهو يحول، على هذا النحو، دون تحقيق أوسع مشاركة ممكنة في الانتخابات، لكي تأتي نتائجها معبرة عن الإرادة الشعبية.

والدليل على ذلك هو بطلان عدد هائل من الأصوات في انتخابات عام 2011 وصل إلى مليون ونصف المليون صوت في الانتخاب بالقائمة، وما يقرب من مليونين من الأصوات في الانتخاب الفردي. فقد أدت صعوبة النظام الذي يجمع بين القائمة والفردي إلى إرباك كثير من الناخبين الذين ارتكب هذا العدد الكبير منهم أخطاء خلال الاقتراع ترتب عليها بطلان أصواتهم. وكان البطلان أكثر في بطاقات الاقتراع المخصصة للانتخاب الفردي بسبب ضخامة عدد المرشحين (6059 مرشحاً تنافسوا على 166 مقعداً فردياً، مقابل 4192 مرشحاً تنافسوا على 332 مقعداً مخصصة للقوائم).

وحين يكون عدد المرشحين للمقاعد الفردية نحو 60 في المائة من إجمالي الذين خاضوا الانتخابات، رغم أن المقاعد التي يتنافسون عليها لا تتجاوز 33.3 في المائة من إجمالي مقاعد المجلس، فهذه ظاهرة ينبغي أن نقف أمامها لنتأملها ونستوعب الدرس الذي تنطوي عليه، وهو أن الانتخاب الفردي لا يضمن جدية المرشح. فتكون النتيجة أن يجد الناخب أمامه بطاقة اقتراع تربكه لفرط طولها، إلى جانب قائمة ثانية تضم أسماء عدد كبير من القوائم. ولذلك يعتبر الانتخاب بالقائمة النسبية وحدها هو الأيسر والأضمن لسلامة العملية الانتخابية. فلا يمكن لهذه العملية أن تكون صحيحة من حيث دقة تعبيرها عن الإرادة الشعبية بدون تنظيمها بطريقة تقلل حالات بطلان الأصوات إلى أدنى حد ممكن.

ولذلك يصعب توقع أن تكون انتخابات عام 2013 معبرة عن الإرادة الشعبية، الأمر الذي دفع قوى المعارضة الرئيسية إلى إعلان مقاطعتها، بسبب إصرار السلطة على إجرائها في ظل عملية سياسية غير عادلة ونظام انتخاب معيب يخدم حزب هذه السلطة، فضلاً عن غياب الضمانات اللازمة لحريتها ونزاهتها.

ولذلك يتبدد الآن الأمل الذي كان ضعيفاً في إمكان أن تساهم الانتخابات المقبلة في وضع حد للتوتر السياسي السائد في مصر خصوصاً إذا لم يستجد ما يدفع مقاطعيها إلى مراجعة موقفهم. فالانتخابات القادمة ليست مجرد عملية اقتراع يختار فيها الناخبون ممثليهم في البرلمان، بل ربما تكون المحدد الرئيسي لحالة مصر لسنوات قادمة والفاصل الأساسي بين الاحتفاظ بالأمل في الحل السلمي للصراع الذي يحتدم فيها وتكريس اليأس من الممارسة السياسية برمتها.

ويصعب تصور مراجعة المعارضة موقفها تجاه هذه الانتخابات من دون توفير الحد الأدنى من الضمانات اللازمة لسلامة إدارة العملية الانتخابية على نحو يكفل نزاهتها وحريتها وحيدتها.

وفي مقدمة هذه الضمانات سلامة الإشراف على الانتخابات وشمول الرقابة عليها من جانب منظمات المجتمع المدني المصرية والدولية، ووسائل الإعلام المختلفة.

فأما الإشراف، وهو قضائي بطبيعة الحال، فلابد أن يكون كاملًا على أساس قاعدة قاض لكل صندوق أو صندوقين على الأكثر، ومن خلال صلاحيات كاملة للجنة العليا للانتخابات بحيث تكون مسؤولة عن العملية الانتخابية بأكملها، مع تيسير سبل الطعن على قراراتها.

ولكي يكون هذا الإشراف القضائي مثمراً، لابد أن يكون عدد الناخبين معقولاً بحيث لا يزيد على ألف ناخب في كل صندوق بأي حال. وهذا ضروري أيضاً لتجنب العذاب، الذي عاناه كثير من الناخبين في الاستفتاء على الدستور قبل أسابيع.

وأما شمول الرقابة على الانتخابات، فهو يتطلب تسهيل مهمة منظمات المجتمع المدني سواء المصرية أو الدولية لتفعيل دورها في تحقيق سلامة العملية الانتخابية، وضمان حصولها على التصاريح اللازمة من اللجنة العليا للانتخابات بشكل مباشر من دون أي وسيط.

ولا تكتمل ضمانات العملية الانتخابية، دون التعامل بجدية واستقامة مع آفتين يتجاوز خطرهما الانتخابات، وهما استخدام الدين ودور العبادة في الدعاية الانتخابية بما يؤدى إليه من تعميق الكراهية في المجتمع، والإنفاق بلا حدود ولا ضوابط بما يرتبط به من فساد ويقود إليه من إفساد.

ورغم أن توفير هذه الضمانات لا يكفي لأن تعيد الانتخابات القادمة الأمل للمصريين، فربما يساعد وجودها في تجنب بلوغ حالة اليأس العام ذروتها.