الوطن العربي ونظرية المؤامرة ...محمد الباهلي

الوطن العربي ونظرية المؤامرة  ...محمد الباهلي
الوطن العربي ونظرية المؤامرة ...محمد الباهلي

الوطن العربي ونظرية المؤامرة

محمد الباهلي

نهاية الأندلس التاريخية التي تحدثت عنها في مقالي السابق كان لابد منها حتى نصل إلى فهم حقيقة ما يجري اليوم في الوطن العربي، وخصوصاً المشهد الذي يحدث في دول "الربيع العربي"، فهناك أجندات سياسية واقتصادية واستراتيجية وخرائط تتحرك بقوة اليوم لتقسيم وتفتيت المنطقة العربية وإعادة ترتيبها من جديد، بل إن الكثير من الدراسات والأدبيات السياسية والاستراتيجيات الغربية حددت بوضوح شكل ومعالم هذا التقسيم في مجموعة من المشاريع والخرائط التي تم نشرها بالتفصيل في العديد من الدوريات والمجلات السياسية المتخصصة طوال العقود الأربعة الماضية، وخطورة هذه المشاريع أنها تتضمن تصوراً استراتيجياً وسياسياً واضح المعالم لدول المنطقة وأخطرها جر المنطقة العربية إلى أن تدخل بنفسها إلى فخ الفتنة الطائفية والعرقية والفوضى الدموية. أن يقاتل العربيُّ العربيَّ والمسلمُ المسلمَ، وبالتالي يبدأ المخطط التآمري في التحرك.

لقد قالها برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا السابق بوضوح: «إن ما حدث في ليبيا لم يكن ربيعاً عربياً أو ثورة شعبية، بل تدخلاً أرادته فرنسا»! والرئيس العراقي جلال طلباني قال في حواره مع صحيفة "الخليج" الصادرة في 26-12-2008، «إن أميركا احتلت العراق من أجل إسرائيل والنفط»! ونبيل فهمي، سفير مصر السابق في واشنطن، كان واضحاً أكثر بخصوص نظرية المؤامرة، عندما قال في حواره مع مجلة "الأهرام العربي" الصادرة بتاريخ 15-9-2012: «أجزم بأن هناك مخططات لتقسيم مصر ودول أخرى في المنطقة.. ومن يعتقد أن فكرة تقسيم مصر غير مطروحة يكذب على نفسه. فمراكز البحث الأميركي تدرس كل الأفكار وحتى الجنونية منها، والمؤامرات ستظل موجودة كما هي»! وجلال أمين أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية بالقاهرة فسّر في حديثه لصحيفة "الأهرام" الصادرة في 25-1-2013 تشابه سيناريوهات الثورة في العالم العربي بوجود مؤامرات خارجية، وأرجع سبب ذلك إلى أن أميركا وإسرائيل وصلتا، حسب قوله، إلى نقطة أصبحتا لاعبين في تغيير تلك الأنظمة أو إسقاطها.

ويتفق الجميع على أن الهدف النهائي هو تفكيك العالم العربي والإسلامي وتحويله إلى "كانتونات" صغيرة، واستغلال حالة الضعف التي يعيشها والمشاكل الكثيرة والخلافات المعقدة بين دوله لخدمة هذا الهدف. فالمؤامرة العالمية التي يتعرض لها العالم الإسلامي حسب عبدالعزيز التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «أيسيسكو» (أخبار اليوم 23-2-2013)، هي مؤامرة قديمة حديثة، وزرع إسرائيل في قلب الوطن العربي هدفه ضرب العالم العربي والإسلامي وتفتيته وضرب مكوناته بعضها ببعض لكي تبقى الصهيونية هي الكيان الأقوى والمهيمن في المنطقة. ومؤشرات ذلك تبدو واضحة تماماً، فسوريا تتمزق في حرب أهلية وعدد القتلى فيها حسب الأمم المتحدة وصل إلى 70 ألف قتيل. وتأثير ذلك وصل إلى لبنان، حيث انعكس هذا التأثير على المكونات اللبنانية، وشكل في داخل لبنان حالة من الصراع الذي يهدد بإشعال حرب طائفية في المنطقة. والسودان انقسم إلى نصفين، وقد ينقسم إلى ثلاثة. والعراق على وشك التفكك. والملا بختيار القيادي السياسي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني قالها صراحة في حواره مع صحيفة "الأهرام" الصادرة في 28-1-2013 «لدينا حق كامل في أن نحلم بالاستقلال. ومسألة استقلال كردستان عن العراق مرهونة بتحولات إذا تغيرت خريطة الشرق الأوسط مثلما تغيرت خريطة شرق أوروبا». ومصر وتونس في أزمة، والاشتباكات المسلحة القبلية في ليبيا لا تنقطع، والنووي الإيراني يهدد المنطقة. وإسرائيل أصبحت أقوى والقدس في يدها، والجامعة العربية بلا قدرة أو فاعلية، فهل ينتبه العرب إلى مثل هذا التهديد الوجودي الذي يتعرض له العالم العربي والإسلامي؟