سيناريو الفتنة. . الانتخابات أولا! بقلم: محمد السعيد إدريس

سيناريو الفتنة. . الانتخابات أولا!  بقلم: محمد السعيد إدريس
سيناريو الفتنة. . الانتخابات أولا! بقلم: محمد السعيد إدريس

سيناريو الفتنة. . الانتخابات أولا!

بقلم: محمد السعيد إدريس

تتسع موجة العصيان المدني في مصر بسرعة لم تكن متوقعة في مشهد درامي يكاد يعصف بكل شيء قديما قالوا‏:‏ العاقل من يتعلم من تجارب الآخرين‏,‏ فما بالنا بمن يرفض‏,‏ وبإصرار‏,‏ أن يتعلم من تجاربه‏,‏ خصوصا إذا كانت بعض هذه التجارب مازالت توالي آثارها وسلبياتها الفادحة حتي أيامنا هذه‏.‏ فمنذ ما يقرب من عامين وبالتحديد في19 مارس2011 جري الاستفتاء الشعبي علي إعلان دستوري أعدته لجنة معينة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة تضمن قنابل سياسية فتاكة مازلنا حتي الآن ندفع أثمانها. كان أبرزها مجموعة المواد التي شكلت معا خريطة طريق إدارة العملية السياسية خلال ما كان يعرف بالمرحلة الانتقالية, وهي المواد التي نصت علي أن إجراء انتخابات برلمانية( لمجلسي الشعب والشوري) كخطوة أولي, تتبعها انتخابات رئاسية, ثم يقوم البرلمان بمجلسيه باختيار لجنة تأسيسية من مائة عضو تقوم بكتابة دستور مصر. هذه المواد تضمنت كارثتين, الأولي, أن تسبق الانتخابات البرلمانية عملية إعداد الدستور, وهذه الكارثة هي التي فجرت أزمة سياسية لم تتوقف تداعياتها بعد, وهي أزمة الدستور أولا أم الانتخابات أولا. والثانية أن البرلمان بالأغلبية التي جاءت بها الانتخابات البرلمانية هو من يختار أشخاص أعضاء الجمعية التأسيسية التي ستضع الدستور وكانت النتيجة هي ما نحن فيه من ضياع سياسي وخراب اقتصادي وعجز أمني وشرعية مشكوك في جديتها. فبدلا من انتخاب الشعب جمعية تأسيسية لها كل الشرعية تضع دستورا يعبر عن إرادة شعبية حقيقية ويحقق الرضا الطوعي للمصريين في عقد سياسي اجتماعي يجمعهم معا في تعايش مشترك محبب للجميع داخل وطنهم, ثم ينتخب البرلمان والرئيس علي هدي من هذا الدستور, بدلا من هذا المنطق الطبيعي جري وضع العربة أمام الحصان وجري فرض خيار الانتخابات أولا بدافع من غواية الهيمنة علي السلطة والحكم وفرض النظام الذي يريدونه من منظور مشروعاتهم السياسية. كانت رؤية تيار الإسلام السياسي مدعومين من المجلس العسكري, أنهم وحدهم المهيأون لخوض الانتخابات البرلمانية في غيبة من الحزب الوطني الذي جري إسقاطه مع رأس النظام, وأنهم باستغلالهم فرصة فراغ الساحة من المنافس الحزبي الحقيقي سيتمكنون من تحقيق الأغلبية الساحقة داخل البرلمان, وبهذه الأغلبية سوف يستطيعون التحكم في اختيار من سيضعون الدستور بحيث تكون لهم الأغلبية, وبهذه الطريقة يكون في مقدورهم كتابة الدستور الذي يريدونه والذي يحقق لهم فرض نظام سياسي جديد في مصر ينسجم مع مشروعهم السياسي. ملخص هذه الرؤية, أن هناك فرصة تاريخية يجب اقتناصها وعدم إضاعتها, ولعل هذا كان دافعهم لتحويل الخلاف حول الإعلان الدستوري المذكور وبالتحديد حول إشكالية: الدستور أولا أم الانتخابات أولا, إلي معركة كسر عظم مع القوي السياسية الأخري جري تلخيصها في شعار غزوة الصناديق أي تحويل مسألة الاستفتاء حول التعديلات الدستورية إلي معركة حربية لم يتردد مشايخ هذا التيار وزعماؤه عن ترويع المصريين في عقيدتهم من أجلها, وتحويل الإجابة بـ نعم إلي طاعة لله, والإجابة بـ لا إلي معصية تقودهم إلي الهلاك والجحيم. وفي ظل هذا الترويع والتوظيف المسف للدين الحنيف في معركة الخلاف السياسي جاءت الإجابة بـ نعم علي ذلك الاستفتاء, وكانت هذه الـ نعم هي مدخل مصر والمصريين إلي الكارثة التي نحن فيها الآن فقد فرض الإسلاميون دستورا مشوها لأماني المصريين وتطلعاتهم في نظام سياسي ديمقراطي حقيقي تتحقق فيه الحرية العادلة والمساواة العادلة, ويتم فيه الفصل الحقيقي بين السلطات ويشعر فيه كل المصريين بالرضا والطمأنينة. بعد كل هذا المسار الفاسد والفاشل الذي أرهق المصريين ووضع البلاد أمام خيارات كارثية ما بين الانهيار الاقتصادي والأمني, ودعوات العصيان المدني التي تكاد تعم محافظات مصر, بعد مليونيات هائلة وصدامات أمنية وجرائم ضد المتظاهرين, ودعوات متصاعدة لإسقاط النظام كان المفترض أن نتعلم الدروس ونستخلص العبر من كل ما حدث لكن للأسف لم يحدث شيء من ذلك. فبدلا من أن يتجه الرئيس إلي لملمة أشلاء وطن يتمزق وأن يضع همه في تحقيق وفاق وطني حقيقي علي أجندة واضحة تبدأ بتشكيل لجنة متخصصة لمراجعة وتصحيح الدستور المشوه, واستفتاء الشعب علي هذا التصحيح, وتشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم علي ركيزتي: الجدارة والاقتدار والكفاءة المهنية أولا ثم التعددية السياسية علي قاعدة الشراكة الوطنية الجامعة بين كل القوي الوطنية في الحكم, ثم صياغة قانون جديد للانتخابات البرلمانية يتضمن كل ما يحقق الرضا والطمأنينة لكل المصريين في انتخابات حرة وعادلة ونزيهة تأتي ببرلمان ملئ بالكفاءات ومتوازن في تكوينه السياسي يكفل لكل المصريين حق وفرصة المشاركة الفعالة في الحكم, بدلا من هذا كله وجدنا الرئيس يعاود, وبإصرار, تكرار سيناريو الانتخابات أولا بتجاهل كل هذه الأمور. فقد فاجأ الرئيس كل المصريين بتحديد موعد عاجل لإجراء انتخابات مجلس النواب ضاربا عرض الحائط بكل ما يحدث في مصر, دون اكتراث بعدم دستورية قانون الانتخابات الجديد الذي وضعه مجلس الشوري, ودون اكتراث لرفض قطاع واسع من المصريين للدستور الحالي الذي من المفترض أن يقسموا علي احترامه في حالة فوز أي منهم بعضوية مجلس النواب. ودون اكتراث لما قد تفضه مقاطعة المصريين لتلك الانتخابات من تداعيات في ظروف تتجدد فيها بقوة دعوة إسقاط النظام وتتسع فيها موجة العصيان المدني بسرعة لم تكن متوقعة في مشهد درامي يكاد يعصف بكل شيء, وعندها لن ينفع الندم ولا البكاء علي الأطلال وسندفع جميعا أثمانا فادحة لتكرار سيناريو الفتنة, سيناريو الانتخابات أولا.