حلم بحجم وطن بقلم : مارلين سلوم

حلم بحجم وطن        بقلم : مارلين سلوم
حلم بحجم وطن بقلم : مارلين سلوم

حلم بحجم وطن      

بقلم : مارلين سلوم

تحلم بأن يكون لها وطن يحتضن كل أبنائه، وأن يعيشوا على أرضه بلا حروب ولا مشاحنات . ليست وحدها التي تعيش داخل هذا الحلم، ففي قلب وعقل كل منا يسكن هذا الوطن الجميل، الذي نود لو أننا ننتشله من براثن الحاقدين والطامعين والمضللين، لنشكّله بأيدينا كمن يصمم بيته الكبير ويجمع فيه كل أفراد أسرته . فحين يشرع المرء في بناء بيته، يبحث عن الأفضل والأجمل والمواد الخام، ويعمل من كل قلبه ويضع فيه عصارة جهوده، لأنه “بيت العمر” الذي سيؤول إلى أبنائه من بعده، ويتوارثه الأحفاد ويبقى صامداً في وجه الأزمات والعواصف . وهو يدرك جيداً أن الوقت كفيل بجعل هذا البيت “جوهرة تاريخية” ملأى بالذكريات، فكيف له أن يهمل هذا الحلم؟

البيت هو الوطن المصغّر، والوطن يسكن في قلوب كل أبنائه، لكن البعض يحرص على صونه والحفاظ عليه وتحسين أي خلل فيه كي لا ينهار، والبعض الآخر يفضل أن “يبيعه” ويقبض الثمن غالياً كي يستمتع بقشور الدنيا ومتاعها .

ماجدة الرومي الفنانة الراقية والرقيقة، تحمل أحلامنا نفسها، وتعاني من حالة الاشمئزاز التي تصيب كثيراً منا مما يحصل في وطنها وفي أكثر من وطن عربي . لذلك أطلت على شاشة “إل بي سي” الأسبوع الماضي، لتخبر الناس عن حلمها الذي تعده رسالة، ورسالتها ليست فنية هذه المرة، بل هي إنسانية تدعو للم شمل كل الفئات والطوائف تحت مظلة حركة “لا للتطرف” التي قررت إنشاءها .

“الحلم بحجم وطن” قالت ماجدة، لكن الواقع يدفعنا للسؤال هل يبدو هذا الحلم بعيداً أم سراباً؟ بعض المشككين برسالة هذه الفنانة، تحدثوا باعتبار أن الحلم “مزيف” . فهل ما جاءت تقدمه ماجدة الرومي في “كلام الناس” مجرد “شو إعلامي” تدخل من بابه إلى عالم السياسة لتلعب دوراً اجتماعياً أولاً وسياسياً ثانياً؟

مارسيل غانم استضافها، أو هي من اختارت برنامجه “كلام الناس” لتعلن من خلاله إطلاق الحركة، لكن الخيار كان جيداً في الاتجاهين، لأن الحلقة جاءت مشغولة بحرفية عالية من ناحية الإعداد والإخراج، واختيار مقتطفات من رحلة وإنجازات ماجدة، والتكريمات التي تلقتها عالمياً ومحلياً، خصوصاً أغنية “سيدي الرئيس” التي أُعدت كفيديو كليب يجمع الثورات العربية وموجه إلى كل رئيس عربي يعاني شعبه من قهر وظلم .  

ماجدة دعت الفنانين والإعلاميين وطلبة الجامعات وكل من يؤمن مثلها بوحدة الوطن ونبذ العنف والتطرف للانضمام إلى الحركة، وتحدثت بشفافية واضحة عن حزنها على الوضع اللبناني، وعن دماء الشهداء التي تذهب هباء طالما أن الأزمات تتفاقم والبلد يتفتت . ورغم أنها رفضت الدخول في متاهات السياسة، ورددت “أنا لا أفهم في السياسة، لكنني أقول ما أحس به ووفق قناعاتي ومن منطلق حرصي على وطني الذي أرفض أن أراه بهذا الشكل”، رغم ذلك، تطرقت الرومي إلى ما يحدث في لبنان بسبب السياسة وأهلها والتدخلات الخارجية، معرجة على “الربيع العربي” الذي لا تراه ربيعاً . وأبرز ما جاءت لتقوله: “مش لازم نكون بحجم طوائف ولا أحزاب، لازم نكون بحجم وطن” .

 

ما قالته الفنانة شاهده كل الناس، لكن كل منهم قرأه بعينيه وألبسه مفهومه الشخصي، والأغرب أن هناك من وقف في وجه الدعوة ل”لا للتطرف” باعتبارها شيئاً مستحيلاً، وكأنه لا بد من التمييز والانتماء إلى طوائف وأحزاب وجماعات، لا لوطن أكبر .

في زمن التشكيك هذا، وزمن التخوين والكذب السياسي من أجل المصالح الضيقة، وزمن الحوارات “العنيفة” التي أُطلق عليها “حوارات الأحذية وأكواب الماء”، التي لا تخلو من المشاحنات والشتائم غالباً، نحتاج كثيراً إلى الصوت الهادئ الذي يحاكي القلب والمشاعر الإنسانية، سواء جاء من ماجدة الرومي أو من غيرها . نحتاج إلى نبذ العنف والتطرف بكل أشكاله، وأكثر ما نحتاجه، أن نحكم عقولنا في ما نشاهده ونسمعه لنستطيع التمييز بين الصادق والكاذب، وبين من يتحدث بفطرة وعفوية المواطن العادي، ومن يفبرك وينمق كلامه من أجل “بريستيج سياسي” . ومن المهم أن نلتقط أي مبادرة توحد الصفوف والشعوب، وأن نحاول التقدم قبل أن نصاب جميعاً ب”عمى التطرف” .