العرب بين أميركا وإسرائيل بقلم : غازي العريضي

العرب بين أميركا وإسرائيل  بقلم : غازي العريضي
العرب بين أميركا وإسرائيل بقلم : غازي العريضي

العرب بين أميركا وإسرائيل

بقلم : غازي العريضي

عندما يقطع رأس أبو العلاء المعرّي لينفصل عن مجسّم حجري يمثّله أقيم في إحدى ساحات معرّة النعمان، وعندما يتم إسقاط تمثال يجسّد ذكرى وعلم ومعرفة وثقافة وأدب طه حسين في مصر، وعندما يغطى وجه كوكب الشرق، وصاحبة أهم صوت في دنيا العرب، هناك، وعندما يتم اغتيال القائد السياسي الديموقراطي شكري بلعيد في تونس، ثم يكسّر النصب التذكاري الذي أقيم له في مكان اغتياله، وعندما تجتاح الساحات العربية «الثائرة» موجات من الاغتيال والقتل والتحرش والاغتصاب، والتهديد والوعيد لكل من يخالف أوامر هذا «القائد» المحلّي أو ذاك، وعمليات تدمير الآثار والمخزون الحضاري لأمم وشعوب شكلت ثروة وميزة هذه المنطقة، وعندما ترتكب ممارسات بشعة باسم «الثورة». والتغيير. وتحت عنوان الانتقام، فتأخذ طابع التطهير العرقي والمذهبي والطائفي، وتستهدف الطاقات والكفاءات العلمية والفكرية والثقافية والإعلامية والفنية والموسيقية والأدبية والاجتماعية وبالتالي يتم إفراغ المجتمعات من عناصر قوتها.

وعندما نغرق في تحليلاتنا ومتابعاتنا اليومية لمجريات حياتنا وتطورات الأوضاع في دولنا منتظرين لقاءات «الكبار» أو «اللاعبين غير العرب» لتحديد مصيرنا انطلاقاً من تحديد مصائر أدوارهم ونفوذهم على أرضنا وتحتها وفي مياهنا مسلّمين بحتمية التاريخ وتغيّر الأدوار في كل مرحلة زمنية من مراحله،

وعندما نرى حالات تفكك الدول والمجتمعات وإسقاط ما تبقى من مؤسسات للدولة ومن فكرة الدولة، وعندما نرى التراجعات الكبيرة في مواقف الدول الكبرى لا سيما تلك التي اندفعت بقوة داعمة «التغيير» في الدول العربية، مدافعة عن حق المرأة، والحريات العامة، فانكفأت عن الدعم حرصاً على مصالح إسرائيل من جهة، وادعاءً بالخوف من التطرف ووقوع السلاح في يد «المتطرفين» و«الإرهابيين» من جهة أخرى، ثم تقدم هذه الدول على الدخول في عملية تسليح وتدريب لبعض «الثوار» ليقفوا في وجه «الإرهابيين» والأنظمة القائمة في آنٍ معاً، فتعم الفوضى ويتعمّق الصراع المذهبي.... كل ذلك يعني تحت عنوان، الثورات تمر بمخاضات، وبالتالي فإن ما يحصل طبيعي، وقد يأخذ وقتاً حتى تستقر الأمور، نحن ذاهبون إلى الفوضى وشريعة الغاب وسقوط الدول وتفكك المجتمعات والآتي مجهول. في ظل غياب الرؤيا أو المشروع أو القيادات القادرة على التأثير واستيعاب الأمور وتحديد الخسائر على الأقل. إننا أمام خيارات محدودة. إما أن نقبل بالأنظمة القائمة أو نرضخ للبديل «الإرهابي» مسبب الفوضى والقلق ومصدر الخطر. وكأنه كتب علينا كشعوب في هذه المنطقة أن نختار بين أشكال الاستبداد المختلفة المطروحة أمامنا ولا خروج من دوائر القمع والإرهاب الفكري والسياسي والترهيب الجسدي والاعتداء على حقوقنا وحياتنا اليومية وسلبنا حرياتنا والحد من تطلعاتنا وتقييد عقولنا والبقاء في دوائر الجهل والظلم والظلامية والقهر والفقر والأمية والتخلف.

وكأن المطلوب إثبات أننا شعوب غير قادرة على الاستفادة من الفرص لحكم ذواتنا. لا بدّ من يد خارجية أو إشراف أو لإدارة خارجية مباشرة لتسيير شؤوننا.

وكأن المطلوب أن تتم عمليات تمويل وتنظيم اقتتالنا سنّة في وجه سنّة تحت عنوان الحد من التطرف، وسنّة في وجه شيعة لتكون فتنة في كل مكان، وعلمانيين وديموقراطيين ضد منغلقين أو متطرفين أو الغائبين، فنكون أمام حروب مفتوحة ومتنقلة على مستوى كل المنطقة. أو أن نهجّر في ديارنا وبين دولنا وأن نهاجر إلى الخارج، تاركين وراءنا إرثاً ومخزوناً تاريخياً إنسانياً حضارياً فكرياً علمياً أدبياً فنياً يميز أمة عريقة وثروة يتسابق الكل على استثمارها دون أن نستفيد بشيء.

كان العراق أغنى وأقوى دولة عربية، وفي مصاف الدول العالمية القوية، انتهينا إلى ما نحن عليه الآن على سبيل المثال لا الحصر: المذهبية والطائفية. الفقر والعودة إلى الأمية، وهجرة العقول والأدمغة والنخب بعد قتل عدد كبير من العلماء واستغلال للثروة لحسابات الآخرين في الخارج وبعض المستفيدين في الداخل، والحال في ليبيا ليس بأفضل، كذلك اليمن وتونس ومصر وسوريا...أن نبقى نرفع صيحات ورايات التحدي في وجه بعضنا البعض تهديداً ووعيداً، وتحذيراً من منازلات وجولات في الميادين والساحات. وما جرى في الأيام الأخيرة أمر مرعب وغريب. مرعب لأنه ينذر بانفجارات وتوترات تأخذ طابعاً مذهبياً بين السنّة والشيعة، وتفتح أبواب جهنم الفتن التي لن ينجو منها أحد. وغريب، لأنه رغم كل ما سبق ذكره، فإن القرار الدولي وللمرة الأولى منذ عقود من الزمن لا يزال في اتجاه عدم التوتير والتفجير في لبنان، لكن بعض أهل البلد النافذين القادرين، يدفعون به نحو الفتنة ويكاد البلد ينزلق إليها وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فقد لا ينجو لبنان واللبنانيون من هذا المطبّ الخطير.

وهل يعني كل ذلك أن ما يجري في المنطقة يندرج تحت نظرية المؤامرة عليها وعلى أبنائنا من «الأمبريالية» و«العرب» وإسرائيل لإسقاط منطق الممانعة والمقاومة والثورة! لا. لم أقتنع يوماً بهذا الأمر. الانتفاضات بدأت بكل القهر الذي رافقها من ألم الناس. أبو عزيزي لم يحرق نفسه بناء على طلب الأميركيين والإسرائيليين والغربيين في تونس. شباب مصر ذوو الهوية العربية النقية لم يتحركوا بناء على طلب إسرائيل وأميركا. شباب سوريا العرب الوطنيون المتمسكّون بهويتهم وتاريخهم اندفعوا للمطالبة بالتغيير ليس بناء على طلب خارجي، وكذلك في ليبيا واليمن وغيرها... دخلت أميركا وإسرائيل؟ صحيح. يمكنهما الاستفادة من الوضع؟ صحيح. والسبب غياب الاحتضان العربي والرؤية العربية العامة أو المحلية في كل دولة من دولنا. وهذا أدّى وسيؤدي إلى استغلال التطورات من قبلهما ومن قبل الغرب والدول الكبرى عموماً.

لقد ذهب بعض الأنظمة إلى اتهام أميركا وإسرائيل بالوقوف ضده فاكتشف العالم كله أن أميركا متهمة بالتباطؤ في تسليح المعارضة ودعمها، بل تعاطفت في مناطق مع مصالح هذه الأنظمة... والجامع مواجهة الإرهاب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إسرائيل.

وغرق بعض العرب في الرهان على أن أميركا ستضرب إيران أو تحاصرها أو تغطي عملية عسكرية إسرائيلية ضدها. فإذا بأميركا تدعو إلى تفاوض ثنائي مع إيران، وإيران تناور و«تتدلل». وإذا بالمسؤولين الأميركيين يقولون «قدمنا عروضاً مغرية لإيران لنشجعها على الدخول في حوار واتخاذ إجراءات جدية لوقف التسلح النووي».

وفي العروض تفاصيل عن دور إيران الإقليمي، وهو سيكون على حساب الذين راهنوا على أن أميركا ستكون معهم ضدها!

المطلوب تعديل في القراءة- وبناء رؤية أكثر واقعية ووضوحاً قبل فوات الأوان والغرق في دائرة المفاجآت الكبرى التي لن تكون في مصلحة الاستقرار والتغيير الإيجابي في المنطقة، بل سيكون المخاض طويلاً والخسائر والآلام كارثية.

غازي العريضي

وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني