الغيبوبة السياسية والهستيريا الثورية! بقلم : السيد يسين

الغيبوبة السياسية والهستيريا الثورية!  بقلم : السيد يسين
الغيبوبة السياسية والهستيريا الثورية! بقلم : السيد يسين

الغيبوبة السياسية والهستيريا الثورية!

بقلم : السيد يسين

 

المشهد المصري:غيبوبة سياسية هنا وهستيريا ثورية هناك! قبل ثورة‏25‏ يناير سئلت في برنامج تليفزيوني كان يذيعه التليفزيون المصري من قبل محاور بالغ الذكاء‏,‏ كيف تري المشهد الراهن في مصر ؟ فأجبته علي الفور قياسا علي ما قاله شيخ الأزهر في عصر الملك فاروق حين سئل شيخ الأزهر السؤال نفسه فقال: تقتير هنا وإسراف هناك وقلت إجابتي هي منتجعات هنا وعشوائيات هناك! وكنت في هذه العبارة الوجيزة أصدر حكمي علي الانقسام الطبقي الخطير الذي بدأ في عصر الرئيس أنور السادات بسياسة الانفتاح الاقتصادي, واستشري في عصر مبارك بعد تزاوج السلطة مع الثروة, بين سكان المنتجعات الذين عزلوا أنفسهم عن الشعب وبنوا الأسوار المحكمة حتي لا يخترق حماهم أحد من الدهماء, وسكان العشوائيات الذين أضاعتهم نظم الحكم المتتالية في مصر, وأخرجت لنا ملايين من المواطنين البؤساء الذين نطلق عليهم الآن أطفال الشوارع! وحين أردنا أن نخفف من مسئولياتنا عن الفوضي العارمة في المجتمع والتخريب الذي لا حدود له, وضعنا الوزر في عنق هؤلاء الأطفال بزعم أنهم وليس غيرهم من الثوار الأنقياء من يقومون بالعنف! بل إنهم أصبحوا يستخدمون من قبل أطراف سياسية انتهازية كفزاعة حين يقال حاذروا من ثورة الجياع! وأيا ما كان الأمر فإنني- بعد هذا الاستطراد- أريد أن أجيب عن سؤال افتراضي وجه إلي وهو: كيف تصف المشهد السياسي في مصر الآن؟ وإجابتي القاطعة: غيبوبة سياسية هنا وهستيريا ثورية هناك! ومنذ أن تولي الرئيس مهام منصبه وجماعة الإخوان المسلمين بدأت تطبيق سياسة أخونة الدولة وأسلمة المجتمع. ونجحت بحكم سيطرتها علي السلطة بأن تدفع بكوادر عديدة من أعضائها ليصبحوا محافظين ومديرين وقادة إداريين في عديد من المصالح الحكومية. قد يمكن التغاضي عن تلك السياسة بحكم أن الفائز في أي انتخابات يحرص عادة علي أن يفيد أنصاره ويدفع بهم الي وظائف مؤثرة في كيان الدولة, ولكن الأخطر من ذلك كله أن جماعة الإخوان المسلمين ألغت بإرادتها الحرة الشعار الذي رفعته هي وهو مشاركة لا فعالية, وأصبحت فلسفتها المعتمدة مغالبة لا مشاركة. ومعني ذلك بكل بساطة إقصاء كل القوي السياسية عن دوائر صنع القرار, ومفاجأة المجتمع السياسي بقرارات صادمة غير مدروسة, كان يتم التراجع عنها حين يتم اكتشاف مدي انحرافها ومخالفتها للأعراف الدستورية المستقرة. ولعل أخطر هذه القرارات علي وجه الإطلاق قرار رئيس الجمهورية بإعادة مجلس الشعب الذي أبطلت تشكيله المحكمة الدستورية العليا بقرار جمهوري صادر منه خلافا لحكم المحكمة. وللمرة الثانية تصدر المحكمة حكما ببطلان المجلس فيضطر رئيس الجمهورية إلي سحب قراره السابق. ثم أخطر من ذلك كله الإعلان الدستوري الباطل الذي أصدره رئيس الجمهورية, حصن فيه قراراته من الطعن عليها في الماضي والحاضر والمستقبل, بل وحصن أيضا مجلس الشوري ولجنة وضع الدستور. وهذا الإعلان بالذات كان هو السبب الرئيسي في الاحتقان السياسي في البلاد بعد ما تبين للمجتمع السياسي أن الدكتور مرسي نصب نفسه بالقانون دكتاتورا مطلق السراح! واستمرارا لهذه المخالفات الدستورية الصارخة تم تشكيل لجنة لوضع الدستور ألغتها محكمة القضاء الإداري لعوار قانوني أصابها, وتم ـ من باب العناد السياسي الأحمق- تشكيل لجنة أخري معدلة فيها نفس عيوب التشكيل السابق تقريبا مع بعض التعديلات الطفيفة. ولكن إدارة اللجنة تحكمت في المناقشات ورفضت كل اقتراحات الأعضاء من غير الإخوان المسلمين والسلفيين مما دفعهم إلي الانسحاب منها. ومع ذلك أصرت اللجنة علي استكمال صياغة الدستور علي عجل, وسهرت ليالي طويلة لسلقه تمهيدا لتسويقه, وفور تسلم رئيس الجمهورية للنص أصدر قرارا جمهوريا بالاستفتاء المتعجل عليه. وبناء علي نسبة مئوية مشكوك في كفايتها, تم علي عجل تحديد موعد لانتخابات مجلس النواب. والمدهش في الأمر أن يصدر القرار الجمهوري بتحديد موعد الانتخابات الذي عدل ليتلافي اتفاقه مع أعياد الأقباط, والبلد في حالة عصيان مدني! ليس في مدن القناة الثلاث فقط ولكن في مدن أخري, حيث أصبحت المظاهرات المنددة بحكم الإخوان تستفحل يوميا في عديد من المحافظات. البلد في حالة انفلات أمني شامل, والفوضي في كل مكان, ومع ذلك فإن الغيبوبة السياسية أصابت قادة الإخوان المسلمين وأصبحوا يحلمون بأن تتم الانتخابات بأسرع ما يمكن احتكاما لحجة الصندوق الزائف, حتي يتم لهم التمكين الكامل في مجال السيطرة المطلقة علي البلاد. ولم يسألوا أنفسهم أي انتخابات يمكن أن تجري في ظل الفوضي العارمة في البلاد؟ ولماذا من باب العناد السياسي الأحمق, ترفض قادة الجماعة الدخول في حوار سياسي جاد مع باقي القوي السياسية لإنقاذ البلاد من الفوضي المدمرة؟ وهل يستطيعون حقا الحكم بالقوة وبالعافية برغم رفض الملايين من المواطنين حكم الجماعة؟ ومن ناحية أخري ففي مقابل الغيبوبة السياسية للإخوان المسلمين سادت ظاهرة: الهستيريا الثورية بين صفوف الثوار وأشباههم ممن يطلق عليهم النشطاء السياسيين. وحدث ما حذرنا منه منذ شهور طويلة وهو اختلاط الثورة بالفوضي. ويكفي متابعة الأحداث اليومية من محاولات وقف المترو باسم العصيان المدني, أو إغلاق ميدان التحرير بواسطة مجموعات شاردة من البشر ومنع مرور السيارات, أو غلق مجمع التحرير ومنع آلاف المواطنين من إنهاء معاملاتهم الضرورية, أو الاعتداء علي أقسام الشرطة, أو استخدام الطوب والمولوتوف في مواجهة محاولات الأمن اليائسة للدفاع عن المنشآت الحكومية والخاصة. وإذا سألت بعض الثوار لأجابوك أن شعار سلمية سلمية قد سقط منذ زمن, وأن الصوت الآن لمن يمارس العنف ضد سلطات الدولة أيا كانت! باختصار شديد المجتمع المصري تسوده الآن حالة من حالات الهستيريا الثورية حيث تحول كل مواطن أيا كان وضعه إلي ثائر يدعي أن له الحق في أن يفعل ما يشاء, حتي ولو استخدم العنف وكان سلاحه هو المولوتوف! هذه بكل صراحة موجعة هي سمات المشهد السياسي الراهن في مصر المحروسة, غيبوبة سياسية أصابت قادة الإخوان المسلمين بعد أن أصابتهم صدمة السلطة وهستيريا ثورية لحقت بمئات الآلاف من المواطنين الذين يرفعون أعلام الثورة مع أنها في الواقع لا تزيد عن كونها رايات الفوضي غير الخلاقة!