تونس: متى ينتهي العنف؟ / بقلم محمد كرو

تونس: متى ينتهي العنف؟  / بقلم محمد كرو
تونس: متى ينتهي العنف؟ / بقلم محمد كرو

تونس: متى ينتهي العنف؟  / بقلم محمد كرو

ترشيح رئيس وزراء جديد مؤخراً هو «علي العريض»، بعد اغتيال زعيم المعارضة التونسي شكري بلعيد، ينذر بأزمة سياسية ومؤسسية يمكن أن تؤدي إلى جو من عدم الاستقرار وانعدام الأمن في تونس. إلا أن ذلك يوفر أيضاً فرصة للمصالحة الوطنية بين اللاعبين الرئيسيين في المجال السياسي. ويبقى هناك سؤال واحد: كيف يمكننا أن نضع نهاية للعنف وأن نبني سلاماً مدنياً يضمن الأوضاع المناسبة لعملية تحوّل ديمقراطي ناجحة؟

حتى تتسنى الإجابة على هذا السؤال، من الأهمية بمكان تحديد أسباب العنف واقتراح حلول أساسية تضمن السلام المدني والتناغم الوطني. لا خلاف هناك على أن عملية الاستقطاب السياسي بين هؤلاء الذين ينضوون تحت راية الأحزاب الإسلامية، وهؤلاء الذين ينتمون إلى ما يسمى بالأحزاب العلمانية، هي في قلب هذا المناخ المتوتر. تضم المجموعة الأولى، التي تصطفّ مع «حزب النهضة»، الذي خرج منتصراً بعد انتخابات الجمعية التأسيسية، تضم تيارات مختلفة ترغب بإعطاء الدين مكانة مهمة في المجتمع والمؤسسات العامة، بينما تريد المجموعة الثانية، التي تضم الأحزاب الليبرالية مثل نداء تونس والجمهوري، فصل الدين عن السياسة، رغم أنها ما زالت تعترف بمركز الإسلام في الدستور.

إضافة إلى ذلك، فإن تونس الآن متوترة نسبياً نتيجة لتزايد العنف الذي اشتد بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية. أدت هذه الأمور معاً إلى إضعاف قدرة الطبقات الوسطى الشرائية، إضافة إلى تدهور العلاقات بين الحاكم والمحكوم. هذا الجو من انعدام الثقة السياسية هو أيضاً نتيجة لعمل الجمعية التأسيسية الطويل في صياغة الدستور، وفوق ذلك كله، غياب إجراءات فاعلة في التجاوب مع مطالب الشباب، مثل الحق في فرص العمل والكرامة الوطنية من خلال الاستمتاع بالحريات الفردية والعامة.

الحكومة في أعقاب استقالة رئيس الوزراء السابق حمادي جبالي، الذي ووجهت نواياه بتشكيل حكومة تكنوقراطية من قبل الأحزاب السياسية الرئيسية، تتعرض لأزمة وفرصة في الوقت نفسه.

ويمكن لهذا الحل البراجماتي، حتى لو تمت مراجعته على شكل حكومة مختلطة أو سياسية تكنوقراطية، أن يشكّل الحل الأمثل لتجنّب الفوضى التي قد تستشري في حال وجود فراغ سياسي. وسيتوجب على حكومة من التكنوقراط، لا انتماءات سياسية لها، أو حتى حكومة من التكنو-سياسيين، أن تسرّع شؤون الدولة وتعمل على تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة.

وفي هذه الأثناء، يمكن ضمان سلام نسبي، ويمكن وضع هدف السيطرة على العنف إذا، أولاً وقبل كل شيء، وافق اللاعبون السياسيون على إنعاش مبادرة الاتحاد الرئيس (الاتحاد العام للعمال التونسيين). يتكون ذلك من حوار وطني يجمع معاً كافة الأحزاب السياسية. جرى رفض هذه المبادرة، التي أطلِقت قبل عدة أشهر، من قبل حزب النهضة الحاكم بسبب المخاطر التي تمثلها، حسب رأي الحزب، باستبدال الجمعية التأسيسية، وفشلها في ضم التيارات الإسلامية والمستقلة الأخرى. لن يكسب الحوار الوطني إلا من خلال كونه مفتوحاً لكافة التيارات السياسية، وباستطاعته تهدئة التوترات من خلال الاعتراف بشرعية الانتخابات وحكم القانون.

يجري حث المعارضة الديمقراطية بدورها على احترام الشرعية الانتخابية لحزب «النهضة»، تماماً مثلما يملك هذا الحزب مصلحة الاحتفاظ بالوزارات السيادية (العدل، الداخلية، الخارجية) مستقلة من حيث القدرة على اتخاذ القرار. إضافة إلى ذلك فإن حل الميليشيات رسمياً، والمعروفة تحت اسم «لجان حماية الثورة» هو أمر أساسي بهدف وضع حد للأعمال الزائدة والسماح لقوات الأمن فقط (الشرطة والحرس الوطني والجيش) بممارسة سلطاتها.

وأخيراً، يمكن المصادقة على الحوار الوطني من خلال التوقيع على سلام مدني يكمل الدستور، عبر تأصيل مبادئ الدولة المدنية العالمية، التي تعود أصولها إلى الهوية العربية المسلمة. وحتى يتسنى لعملية التحول الديمقراطي أن تنجح، من الأهمية بمكان الحفاظ على الوحدة الوطنية من خلال الحوار والبحث المشترك عن الحلول لمشاكل النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والإقليمية.