مصر وهدم الأنفاق ... فايز رشيد

مصر وهدم الأنفاق      ... فايز رشيد
مصر وهدم الأنفاق ... فايز رشيد

مصر وهدم الأنفاق    

... فايز رشيد

قامت مصر مؤخراً بإغراق الأنفاق الحدودية التي تربطها مع الأرض الفلسطينية في قطاع غزة بمياه الصرف الصحي العادمة،  وذلك من أجل إتلاف جدرانها،  وبما يؤدي إلى انهيارها نهائياً .

الأنفاق تستعمل لتهريب المواد الغذائية ومواد البناء اللازمة لترميم ما دمّرته “إسرائيل” من خلال عدوانيها الأخيرين على القطاع . الإغلاق يأتي في الوقت الذي يضّيق فيه الكيان الصهيوني من حصاره للقطاع المفروض على شعبنا منذ منتصف عام 2007 . يأتي الإغلاق أيضاً في ظل تقنين المواد الغذائية والمواد الأخرى، التي تسمح “إسرائيل” بإدخالها إلى غزة عبر معبر كرم أبي سالم، وفي ظل فيتو تضعه على إدخال مواد كثيرة، حتى منها التي تأتي على شكل مساعدات عربية ودولية لشعبنا في أنحاء القطاع، عبر معبر رفح .

نفهم الضغوط “الإسرائيلية” والأمريكية على الرئيس المصري محمد مرسي لهدم الأنفاق، تماماً كما في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، لكن طريقة الهدم  هذه مبتكرة جداً بحيث يصعب إعادة بنائها .

لجأت مصر في عهد مبارك إلى بناء جدار فولاذي على الحدود مع رفح الفلسطينية، لكنه لم يكتمل . نستغرب أن يتم الهدم الكلي في زمن حكم الإخوان المسلمين، الصديق والمقرّب جداً من حركة حماس الحاكمة في غزة . الإغلاق أتى مع عدم توفير البدائل، ووسط وعود من مرسي بالعمل على فك الحصار الخانق الذي تفرضه “إسرائيل” على أهلنا . توقع كثيرون أن يتم فتح معبر رفح بشكل نهائي، لكن المعبر في فتحه وإغلاقه ظلّ على ما كان عليه في الزمن السابق .

أيضاً، فإن المطالب الفلسطينية لوقف إطلاق النار بعد عدوان نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على غزة، اشترطت رفح الحصار، كان ذلك بإشراف مصري . الذي اتضح بعدما يقارب السبعة أشهر على تسلم الإخوان المسلمين الحكم، أن التعامل المصري مع القضية الفلسطينية بقي على حاله، إلا من تشديد أكبر في ما يتعلق بفتح معبر رفح وإدخال المواد اللازمة لأهلنا في القطاع .

تماماً مثلما راهن كثيرون على احتمال كبير بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد التي وقعتها مصر مع “إسرائيل” في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات . لقد راهن عديدون أيضاً، وبعد الحراكات السياسية المصرية التي تفجرت في 25 يناير/كانون الثاني 2011 ، على عودة مصر كعامل رئيسي وكلاعب أساسي في الصراع الفلسطيني العربي-الصهيوني . لكن هذا الرهان لم يتحقق في “عهد الإخوان” .

الذي تبين واتضح أن مصر اقتصر دورها على الوساطة بين الطرفين “الإسرائيلي” والفلسطيني، سواء كان ذلك أثناء العدوان الأخير على القطاع أم في ما يتعلق بموضوع الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الصهيونية .لم تقف مصر طرفا عربياً رئيسياً في مواجهة “إسرائيل” مثلما يفترض .

لقد دفع العمال الفلسطينيون دماء غزيرة من أجل حفر هذه الأنفاق، فقد قُتل ما يزيد على مئتي فلسطيني في أعمال الحفر، وانهيار الأنفاق عليهم، في الكثير من الأحيان . الأنفاق كانت الرئة التي يتنفس من خلالها الفلسطينيون .

لقد ذكرت مصادر عديدة أن الجيش المصري يعمل منذ مطلع العام الجاري على نشر المزيد من وحداته على الشريط الحدودي مع القطاع، والعمل على إنشاء مواقع جديدة وتجهيزها مع مدها بالتيار الكهربائي والاتصالات الأرضية، وتشييد آبار مياه ارتوازية على طول هذا الشريط الحدودي، كل ذلك  للمساعدة في إغراق الأنفاق بمياه الصرف الصحي عند الحاجة . هذا يؤكد أن إغراق الأنفاق ليس وليد حادثة عادية، وإنما تنفيذ لسياسة جرى التخطيط لها منذ أشهر طويلة .كنّا نتمنى لو أن الإجراءات الاحترازية المصرية جاءت من أجل المحافظة على الحدود المصرية والأمن المصري عموماً من أشكال العدوان الصهيوني على مصر، مثل الذي حدث في شهر رمضان المبارك الماضي عندما تم قتل 18 جندياً مصرياً في سيناء، وأشارت كل الدلائل حينها إلى الأصابع “الإسرائيلية” في عملية القتل . إبّانها تداعى العديدون من الكتّاب والمحللين السياسيين المصريين إلى اتهام الفلسطينيين بعملية القتل .

هؤلاء لم يسألوا أنفسهم، ما مصلحة الفلسطينيين في ارتكاب هذه العملية الإجرامية البشعة؟ الذين قتلوا الجنود المصريين الأسرى في حرب عام 1967 هم “الإسرائيليون”، والذين صدروا إلى مصر آفة القطن، وأغرقوا أسواقها بالمخدرات، وهددوا بقصف السد العالي، وقاموا باعتداءات كثيرة على بدو سيناء هم “الإسرائيليون”، وليس أحداً غيرهم

لقد أدانت حركة حماس إغراق الأنفاق، جاء ذلك على لسان القيادي فيها خليل الحيّة، واعتبرت هذه الخطوة بمثابة “تجديد الحصار” . الحيّة أعلن “أن الأنفاق الحدودية مع مصر كانت خياراً وحيداً أمام الفلسطينيين لمواجهة الحصار، وأن إغراق الأنفاق المتكرر بالمياه العادمة في ظل الحصار هو حكم بعودة الحصار بقرار رسمي مسبق” .

مع الاحترام الشديد لإدانة حركة حماس الخطوة ، لكنها جاءت خجولة ورفع عتب أكثر منها إدانة .

كان يتوجب على حماس والسلطة وكافة الفصائل الفلسطينية استنكار هذه الخطوة، وبلغة قاسية تعبّر عن تداعيات الإغراق الخطير للأنفاق، وهي في حصيلتها بمثابة المساهمة في مزيد من التجويع للفلسطينيين، المفروض عليهم منذ سنوات طويلة .إغراق الأنفاق يؤدي أيضاً إلى إعطاء المبررات للدولة الصهيونية في تشديد الحصار الخانق على القطاع، وهذا يصب في مجرى إضعاف الصمود الفلسطيني أمام العدو “الإسرائيلي”، لا سيّما أن مصر أخذت على عاتقها منع تهريب أية رصاصة أو قطعة سلاح إلى القطاع .