أزمة الشرعية السياسية المصرية بقلم السيد يسين

أزمة الشرعية السياسية المصرية  بقلم السيد يسين
أزمة الشرعية السياسية المصرية بقلم السيد يسين

 

أزمة الشرعية السياسية المصرية

بقلم السيد يسين

المشهد المصري..عملية الإنتاج توقفت والمصالح الحكومية اضطربت أحوالها أي مراقب موضوعي للمشهد السياسي السائد في مصر الآن لابد له أن يصل إلي نتيجة لا يمكن التشكيك في صحتها, وهي أن النظام السياسي الراهن الذي يتصدره حكم جماعة الإخوان المسلمين قد فقد شرعيته السياسية. ويكفي متابعة أخبار المظاهرات الحاشدة التي خرجت في القاهرة والإسكندرية وعديد من المحافظات منددة بحكم جماعة الإخوان المسلمين, لأن قادتها سواء كان رئيس الجمهورية أو غيره لم يفوا بوعودهم التي أسرفوا في الوعد بها قبل الانتخابات, والتي تمثلت في قيمة سياسية رفيعة هي مشاركة لا مغالبة, وتوجه اجتماعي بالغ الأهمية, وهو العمل الجاد لحل المشكلات الجسيمة التي تواجه الجماهير العريضة. وذلك لأن المسلك الفعلي لجماعة الإخوان المسلمين بعد تنصيب رئيس الجمهورية كان ابتعادا مستمرا عن المشاركة وإصرارا علي المغالبة المطلقة! وتمثل ذلك أساسا في الانفراد باتخاذ القرارات السياسية الكبري وإقصاء باقي الأحزاب السياسية المعارضة عن عملية التشاور الضرورية قبل إصدارها, ليس ذلك فقط ولكن عديدا من هذه القرارات كانت مضادة للأعراف الدستورية, وبعضها كان يمثل اعتداء صارخا علي مبادئ الشرعية السياسية. الديمقراطية ليست مجرد آليات تتمثل أساسا في صندوق الانتخابات أيا كان نتيجتها, وإنما هي أيضا مجموعة متناسقة من القيم التي لو تم إهدارها فإن نتائج الصندوق تصبح لا قيمة لها. وأهم قيمة ديمقراطية هي أن يحقق النظام السياسي الشرعية السياسية. والشرعية السياسية- في أبسط تعريفاتها- هي قبول الأغلبية العظمي من المحكومين لحق الحاكم في أن يحكم, وأن يمارس السلطة, بما في ذلك استخدام القوة. وإذا طبقنا هذا التعريف المجمع عليه في علم السياسة لأدركنا أن النظام السياسي الإخواني بحكم انفراد جماعة الإخوان بالحكم- قد تآكلت شرعيته السياسية بالتدريج. ونعني بتآكل الشرعية هنا عدم رضاء الغالبية العظمي من الجماهير بحكم الإخوان المسلمين, كما تشهد علي ذلك المظاهرات الحاشدة والتي بلغت ذروتها منذ أيام بإعلان بورسعيد العصيان المدني, بالإضافة إلي دعوات العصيان التي تتردد بقوة في صفوف شباب الثوار وأحزاب المعارضة, احتجاجا علي القرارات المضادة للإرادة الشعبية التي أصدرها رئيس الجمهورية ومجلس الشوري. ولعل أشد الاحتجاجات تعلقت باحتكار الإخوان والسلفيين لعضوية لجنة الدستور وانفرادهم بوضعه, وعدم اعتدادهم بالمقترحات التي قدمها أعضاء لا ينتمون إلي الأحزاب الدينية. وأخطر من ذلك كله طرح الدستور علي الاستفتاء بدون أن يتاح لجماهير الشعب الاطلاع الوافي علي مضمونه, ثم إقراره بعد النتيجة المعلنة وهي60% تمثل من قالوا نعم, وهي نسبة متدنية في الأعراف الدستورية وأخطر من ذلك كله منح مجلس الشوري والذي شاب تشكيله عوار قانوني حق التشريع, مما سمح له بتفصيل قانون للانتخابات علي مقاس جماعة الإخوان المسلمين لضمان حصول مرشحيها علي الأكثرية ويتم استبعاد مرشحي المعارضة. وهناك إجماع في العالم كله علي أنه لا ديمقراطية بغير معارضة, وإلا تحول النظام السياسي عملا إلي نظام شمولي يحكم فيه ويهيمن حزب سياسي واحد مما يهدد الكيان الديمقراطي كله. وإذا حللنا المشهد السياسي بدقة واعتمدنا علي مجموعة من المؤشرات الكمية والكيفية لأدركنا أن مصر تمر بأزمة عميقة, أخطر مؤشراتها إنهيار مؤسسات الدولة وأبرزها قاطبة الشرطة والقضاء. وحين تضرب الشرطة أو القضاة ذلك مؤشر بالغ الخطورة. وإضراب الشرطة حين يحدث في ظل أي نظام سياسي فهو أمر جلل لا يجوز التهوين من شأنه. حدث ذلك في التاريخ المصري ثلاث مرات, المرة الأولي في ظل حكم الملك فاروق حين أضرب البوليس عام1946 وهتفوا بسقوط الملك احتجاجا علي سياساته المنحرفة. والمرة الثانية في عهد الرئيس السادات حين أضرب جنود الأمن المركزي احتجاجا علي سوء معاملتهم وتدني مرتباتهم وهو حادث كاد أن يؤدي إلي سقوط نظام السادات لولا تدخل القوات المسلحة. والمرة الثالثة هي إضراب الشرطة في ظل حكومة الإخوان والذي مازال مستمرا حتي الآن, بالرغم من أن وزير الداخلية رضخ لعديد من مطالب أفرادها. ولو ألقينا علي المشهد نظرة أخري فاحصة لوجدنا المظاهرات الفئوية والإضرابات في كل مكان, بحيث يمكن القول إن عملية الإنتاج قد توقفت, وأن المصالح الحكومية قد اضطربت أحوالها. ومن الأسباب التي أدت إلي تآكل شرعية النظام الإخواني الفشل السياسي الذريع, والذي تجلي في عدم قدرة الرئيس علي إصدار القرارات الحاسمة المدروسة في الوقت الناسب. بل إننا نلاحظ صمتا غير مفهوم من قبل الرئيس فيما يتعلق بضرورة مخاطبة الشعب مباشرة لكي يقدم تشخيصه للمشكلات الحادة الراهنة ومقترحاته من أجل مواجهتها في مسعي يهدف إلي تجميع الصفوف السياسية حكومة ومعارضة وفق مبادرة تهدف إلي مواجهة الاحتقان الاجتماعي المتصاعد والانقسام السياسي الحاد. لقد قررنا أكثر من مرة أن ثورة25 يناير أدت إلي انفجار سياسي وانفجار اجتماعي في نفس الوقت. انفجار سياسي جعل كل الطاقات التي كانت مكبوتة لدي ملايين المصريين تظهر علي السطح في شكل مظاهرات ومطالبات فئوية وأحداث عنف سقط فيها مئات الضحايا والمصابون. وانفجار اجتماعي أدي إلي ظهور فيضان من التمرد علي السلطة أيا كانت سياسية أو حكومية أو إدارية أو أبوية. وهذا التمرد المطلق علي السلطة هو الجذر الحقيقي لأحداث العنف والتي أصبحت هي الطابع السائد لأسلوب الحياة في مصر في الوقت الراهن. ويساعد علي إذكاء هذا العنف الخلط المعيب بين الثورة والفوضي, والعناد الشديد لحكم الإخوان المسلمين وعدم استجابته لا للمطالب الشعبية المشروعة ولا لرغبات المعارضة في الإسهام في العملية السياسية وفق المعايير الديمقراطية. وتظن جماعة الإخوان المسلمين انها لو راوغت بعض الوقت حتي تضمن إجراء انتخابات مجلس النواب والتي تظن أنها ستحصل فيها علي الأكثرية, فإنها تكون قد كسبت المعركة مع المعارضة إلي الأبد اعتمادا علي نتائج الصندوق. غير أنه فات قادة الإخوان المسلمين أن الصندوق حتي لو لم تشب انتخاباته أي شائبة, لا يمكن له أن تمنع نتائجه سقوط الشرعية السياسية للنظام والتي تعني بكل بساطة عدم رضاء الأغلبية العظمي للجماهير عن توجهاته. أتوقع بطبيعة الأحوال ممن يخدعون أنفسهم وينكرون الواقع الملموس في الشارع أن يختلفوا مع هذه النتيجة الصادمة, ويظنون وهما أن حكم الإخوان سيستمر إلي الأبد حتي ولو كره الكارهون!