فتاوى القتل ليست وجهة نظر ... عائشة المري!

فتاوى القتل ليست وجهة نظر ... عائشة المري!
فتاوى القتل ليست وجهة نظر ... عائشة المري!

فتاوى القتل ليست وجهة نظر

عائشة المري!

عندما يتحول الآخر شريك ثورة التغيير السابق سواء كان ليبرالياً، علمانياً، يسارياً، إلى الخصم السياسي، إلى الآخر اللاديني في جدل سياسي بالدرجة الأولى، عندما يتحول المعارض السياسي إلى "كافر"، "ملحد"، وعندما تصدر الفتاوى بإلحاده البيّن، وعندما تتعالى الأصوات المطالبة برأس المعارض اليساري وبدم المعارض الليبرالي، يصبح ربيع التغيير العربي أوهاماً. لقد شكل اغتيال المعارض السياسي التونسي شكري بلعيد صدمة للبعض، لكنها مسألة للأسف كانت متوقعه لقراء التاريخ السياسي، فأدلجة الخطاب السياسي تعني رفض الآخر، شيطنة الآخر ونفيه حتى عن الوجود الإنساني. عندما ينصهر الدين في السياسة تتضخم الفتاوى الدينية، وتنعكس المواقف السياسية الظرفية في صورة فتاوى ومواقف تحريضية على الخصوم السياسيين باسم الدين، وتاريخياً ظل التحالف بين أهل السلطة وأهل الدين من أهم سمات التاريخ العربي الإسلامي، واليوم، في دول "الربيع العربي" يظهر الإسلام السياسي وخاصة مع وجود الأحزاب السياسية الدينية من "إخوان مسلمين" وسلف في المشهد السياسي عادت الفتاوى لتصبح بضاعة رائجة لكسب التأييد السياسي، ولتحجيم الخصوم ولاستقطاب الأنصار.

لا نستغرب من فتاوى القتل والتحريض على الآخر في مصر وتونس وغيرهما من مجتمعات تفتح ذراعيها لوجود تيارات الإسلام السياسي وتنتقل من استبداد سلطة سياسية إلى استبداد سلطة دينية، فالفتاوى الدينية أصبحت سيفاً مسلطاً على المجتمع المدني، يحمل لواءه رجل الشارع البسيط المضلل بشعارات الدين. لقد تحولت الفضائيات إلى ساحة استعراض لمشايخ أحزاب الإسلام السياسي، وأصبح تجييش المجتمع لاتخاذ مواقف سياسية سواء كان بالتصويت، أو بالمشاركة السياسية، أو بالتحريض السياسي بالفعل أو الامتناع عن الفعل باسم الدين، بضاعة لمشايخ الأحزاب السياسية، ولكن تبقى شيطنة الآخر المعارض واستباحة دماء المختلف فكرياً هي أخطر أداة سياسية. ففي مصر أحل "الدعاة" دم محمد البرادعي وحمدين صباحي لأنهما في تفسيره "ينازعان حاكماً تمت مبايعته"! أما "داعية" آخر فقد دعا لقتل كل من يتظاهر حول قصر الاتحادية، ولوحظ أن جماعة "الإخوان المسلمين" تحرض عناصر الأمن على قمع المتظاهرين بعنف مبالغ فيه وصل إلى حد السحل.

لقد تجذر الاستبداد السياسي في بعض المجتمعات العربية حتى أصبح يعيد نماذجه القديمة في أطر جديدة في دول "الربيع العربي"، وقد كشفت التطورات السياسية المتسارعة في مصر وتونس هشاشة النظام السياسي الجديد، فتعرت نظم "الإخوان" في ممارساتها لتتكشف عن طغيان سياسي يقارب استبداد الأنظمة التي صعدت على أكتافها والأخطر من ذلك استخدام الخطاب الديني كخطاب سياسي، وبعد عامين فقط على المسار السياسي لـ"الإخوان المسلمين" ظهرت هشاشة طرح "الديمقراطية الإسلامية" و"الإسلام هو الحل"! لقد بدت تظهر نماذج الدولة الثيوقراطية في مصر وتونس وظهر نموذج دولة المرشد مطابقاً للنموذج الشيعي لولاية الفقيه، ليؤسس لاستبداد سياسي جديد بنكهة دينية تحلل وتحرم وفق المواقف من أطياف المعارضة السياسية، وتنتقل ممارسة السياسة باعتبارها سلوكاً عقلانياً يستند على أسس موضوعية إلى ممارسة قهرية تستخدم الدين وتجافي العقل والمنطق إلى "التسليم المطلق" بخيارات "المرشد" أو "الولي الفقيه".

لقد أثبت التاريخ أن للفتوى في العالم الإسلامي سلطة لا يستهان بها ولا ينبغي أن يستهان بها، وخاصة عندما تصدر الفتاوى بسفك دماء "المعارض" وباستباحة قتل "الآخر" فيصبح الشعب المغيب والشباب المتحمس جنوداً ينفذون "المشيئة الإلهية" كما رسمتها تلك الفتوى الخاطئة، وتتراجع سلطة الدولة ويغيب القانون ويصبح الاقتصاص من الآخر المختلف واجباً دينياً!