ايران... واستمرار حالة الإنكار ... د. عبد الله خليفة الشايجي

ايران... واستمرار حالة الإنكار ... د. عبد الله خليفة الشايجي
ايران... واستمرار حالة الإنكار ... د. عبد الله خليفة الشايجي

ايران... واستمرار حالة الإنكار

د. عبد الله خليفة الشايجي

كان الأسبوع الماضي أسبوعاً إيرانياً بشكل خاص، حيث حضر الرئيس الإيراني في القاهرة للمشاركة في قمة منظمة التعاون الإسلامي، وزاد الماء على الطحين لقاء نجاد (الذي تعرض لمحاولتي اعتداء في القاهرة)، مع شيخ الأزهر، الإمام الأكبر، الذي خرج عن النص وحاضر على الرئيس الإيراني بشأن ضرورة وقف التدخل في شؤون دول الخليج، واحترام البحرين كدولة عربية شقيقة، ورفض المد الشيعي في بلاد أهل السنة والجماعة، ووقف النزيف الدموي في سوريا... وأكد مسؤولون مصريون مثل الرئيس مرسي ووزير الخارجية، أن علاقات مصر مع إيران لن تتقدم حتى انتهاء الأزمة السورية. وأن العلاقات بين القاهرة وطهران لن تكون على حساب دول الخليج العربية. ويُضاف إلى ذلك عرض نائب الرئيس "بايدن" بدء حوار جاد بين واشنطن وطهران، وهو ما ترفضه هذه الأخيرة. وقدم اليمن أيضاً لأول مرة أدلة وبراهين قاطعة على تدخل إيران في شؤونه الداخلية، ودعم وتسليح جماعات عسكرية معادية للنظام اليمني خاصة الحوثيين الذين خاضوا حروباً ضد الحكومة في صنعاء، وعرض فيديو لأسلحة مصادرة من سفينة إيرانية تُظهر صواريخ مضادة للطائرات وأسلحة متنوعة. وهذا ما دفع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي طالب إيران قبل أشهر بكف يدها ووقف التدخل في شؤون اليمن، ليطلب من الرئيس الإيراني وقف تدخل طهران في شؤون اليمن. ويستكمل الأسبوع الإيراني محطاته أيضاً بإرسال قرد إلى ارتفاع 70 كلم في مدار الأرض، في رسالة ترهيب وتخويف وتأكيد على قدرات إيران التكنولوجية والعسكرية والباليستية، وسط تشكيك غربي في ذلك الإنجاز. ولاشك أن هذا كله يُكرس غياب الثقة ويطيل من أمد الاحتقان وحالة الحرب الباردة بين العرب وإيران.

وقد وصفت في العديد من المقالات والمقابلات، العلاقة الملتبسة بين العرب وإيران، بالحرب الباردة، من استمرار إيران في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث لأكثر من أربعة عقود، وكذلك التدخل في شؤون غير دولة عربية. وما نراه اليوم في سوريا خاصة، وكذلك في العراق ولبنان وفلسطين والعديد من دول مجلس التعاون الخليجي واليمن، يؤكد تدخلات إيران وعناصر من المؤسسة الحاكمة، مرتبطة بالتحديد بالحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس -المؤسسة الأكثر تأثيراً وتحكماً في مفاصل النظام الإيراني- وبدعم وتغطية من مرشد الثورة الأكثر محافظة وتشدداً.

وكان عام 2012 عاماً سيئاً على إيران على أكثر من صعيد. داخلياً، استمرت العقوبات والحصار وزادت عزلة ومعاناة طهران بسبب التحدي القائم حول مشروعها النووي. وانهيار العملة الإيرانية الريال إلى مستويات قياسية، وارتفاع التضخم والأسعار ووصول البلاد إلى حالة نضج فيها الغضب الشعبي ربما كان ليستعير من ثورات "الربيع العربي" وميدان التحرير في القاهرة انتفاضة إيرانية تكون امتداداً للثورة الخضراء لعام 2009، لولا مسارعة إيران في دعم مواطنيها بنصف دخلهم عبر إيداعات نقدية في حساباتهم المصرفية لامتصاص الغضب الشعبي وتأجيل الانفجار. ولكن ذلك يجعل إيران المحاصرة، والتي لا تجد زبائن لنفطها، تطبع عملة لتغطية النفقات والدعم الحكومي الهائل، ما يرفع من معدل التضخم والأسعار بشكل محموم.

خارجياً، تُعد إيران خاسراً كبيراً أيضاً من تداعيات "الربيع العربي"، بعد تعرض جميع حلفائها من الدول وغير الدول لانتكاسات، وتراجع دور أذرعها وبيادقها الذين أغدقت عليهم الدعم، واستثمرت كثيراً فيهم من النظام السوري و"جيش المهدي" وساسة العراق والحوثيين في اليمن و"حزب الله"، حيث تعرض جميع هؤلاء لانتكاسات جراء "الربيع العربي". كما فقدت إيران أيضاً رصيدها الضئيل في الشارع العربي بسبب انتقائيتها وازدواجية معاييرها في التعامل مع التحولات العربية. وشكلت محاضرة الإمام الأكبر في الأزهر على الرئيس نجاد، ومحاولتا الاعتداء عليه، قمة التراجع في الثقل الإيراني عربياً.

ومع شدة وطأة العقوبات الدولية والأوروبية والأميركية التي عزلت وشلت إيران، وخاصة بعدما قاطعت أوروبا نفطها، وكذلك ضغط أميركا على زبائن إيران الكبار في الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند لخفض صادراتهم من النفط الإيراني، أدت كل تلك الصعوبات التي تواجهها إيران -والمواطن الإيراني- لتآكل قوة العملة الإيرانية، وعزلها عن النظام المصرفي العالمي. ومع ذلك فإن الموقف الإيراني الرسمي لا يزال على حاله من التحدي، وهو ما يزيد من معاناة الإيرانيين. والحال أن إيران أشبه بمن يعض على أصابعه ويقاوم الألم والصراخ. ويتزامن هذا الوضع المحتقن والأصعب مع الذكرى الرابعة والثلاثين لقيام الثورة.

وقد يكون فريق أوباما الأمني الجديد، الواقعي والبعيد عن التلويح بالحروب والمواجهات، وفي ظل التركيبة الحالية لإدارة أوباما الجديدة بدءاً بوزير الخارجية جون كيري، ووزير الدفاع تشاك هاجل (إذا ما تمت المصادقة على تعيينه في مجلس الشيوخ)، شجع إيران على موقفها المتشدد، باقتناع القيادة الإيرانية بأنه لا حرب في الأفق، ما صلب من موقف رفض عرض الحوار الذي لوح به نائب الرئيس الأميركي. ومرة أخرى يؤكد مرشد الثورة أنه هو صاحب القول الفصل في إيران. ففي حين علّق الرئيس الإيراني ووزير خارجيته بشكل إيجابي، وبانفتاح، على دعوة "بايدن" في مؤتمر الأمن في ميونيخ الأسبوع الماضي، وقبلهما رحب محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، بالتفاوض والحوار مع الولايات، إلا أن المرشد سارع لسكب ماء بارد على تلك المبادرة، على رغم الحصار والعقوبات الخانقة التي تشل إيران، واصفاً الحوار والتفاوض مع واشنطن بأنه مضيعة للوقت، ولا معنى له بسبب العقوبات الأميركية على إيران. وأنه لا جديد في طلب أميركا الحوار... لأن إيران لم ترَ سوى المؤامرات من الأميركيين الذين تبقى الكرة في ملعبهم! وطبعاً من المتوقع أن يرفض أي طلب لمفاوضات وتقارب مع الولايات المتحدة لأن ذلك سيعري النظام الإيراني الذي تبقى أهم ركائزه العداء للولايات المتحدة التي وصفها الخميني بـ"الشيطان الأكبر".

وفي مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في القاهرة وقد شاركت فيه إيران، كما سبقت الإشارة، ممثلة بنجاد الذي تنتهي ولايته في يونيو القادم، شهدنا كيف تحولت إيران إلى طرف يُفرق ويُقسم الإجماع الإسلامي، وطغيان الأيديولوجية والمصالح على القيم والمنطق.

وفي الوقت الذي دعت فيه قمة منظمة التعاون الإسلامي إلى حوار جاد بين المعارضة السورية بأطيافها المختلفة مع ممثلين للنظام لم تتلطخ أيديهم بالدم السوري، تحفظت إيران، ومعها العراق، على فقرات في البيان الختامي متعلقة بسوريا... لتبرز إيران مع العراق، الذي بات يدور في الفلك الإيراني، كمصدر للتنافر في منظمة التعاون الإسلامي، وهي منظمة تضم 57 دولة تشكل ثلث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وتمثل 1,6 مليار مسلم في العالم.

والآن تقف إيران على مفترق طرق في طريقها لانتخابات يونيو القادم التي ستحدد مستقبلها، ومستقبل الحوار بين السباق نحو واقعية الحوار مع إدارة أوباما، أو البديل الذي سيمنع إيران من الحصول على السلاح النووي بأية طريقة! ولكن على إيران أن تتوقف عن حالة الإنكار وعض الأصابع!