لماذا يعتذرون دائما لإسرائيل؟ بقلم / توفيق أبو شومر

لماذا يعتذرون دائما لإسرائيل؟  بقلم / توفيق أبو شومر
لماذا يعتذرون دائما لإسرائيل؟ بقلم / توفيق أبو شومر

لماذا يعتذرون دائما لإسرائيل؟  بقلم / توفيق أبو شومر

إن معظم منتقدي إسرائيل وسياستها يعودون مرة أخرى إلى صفَّها نادمين، يقدمون لها فروض الطاعة والولاء من جديد!

فما يزال صاحب أشهر تقرير بعد عملية الرصاص المصبوب على غزة 2008-2009 (ريتشارد غولدستون) مثالا على نفوذ إسرائيل وقدرتها على المتابعة والاستفادة من الأحداث، ومن ثَمَّ توظيف الأحداث لمصلحتها، وهذا المثال يستدعي التحليل!

 فبعد أن كان ريتشارد غولدستون قاضيا(يهوديا) يفخر به اللوبي اليهودي في كل أنحاء العالم لتفوقه ونبوغه، لأنه قاد لجانا كثيرة في مجالات الحقوق، وقاد لجان تحقيق عديدة في جرائم حرب كوسوفو والعراق والأرجنتين، ونال جوائز عديدة في مجالات حقوق الإنسان، وأصبح قاضيا معتمدا للأمم المتحدة!!

صار منذ أن غضبتْ عليه إسرائيل(قاضيا جنوب إفريقي) ولم يعد قاضيا يهوديا أبدا، فقد نبذته إسرائيل وأعادته إلى البلد الذي يعيش فيه اليوم، على الرغم من أنه عاد معتذرا إلى إسرائيل وإلى الجالية اليهودية، التي حرمته حتى من حضور احتفال لتدشين حفيده الذكر في الاحتفال الديني بار متسفا في الكنيس اليهودي في جوهانسبرغ!

ويعود سبب غضبة إسرائيل واللوبي اليهودي عليه إلى (تقرير غولدستون) الذي قال فيه:

" ارتكبت إسرائيل في عملية الرصاص المصبوب في غزة أعمالا ترقى إلى مستوى جرائم حرب"

ولم تشفع له توبتُهُ واعتذاره عن تقريره، ولا حتى انطواؤه وابتعاده عن الساحة القضائية والسياسية، فقد وصف أحدُ أصدقائه حالَه فقال:

" إنه يعيش في ضائقة نفسية مريرة"!!

  تذكرتُ غولدستون وأنا أتابعُ اعتذارا جديدا آخر قدَّمتْهُ صحيفة الصاندي تايمز البريطانية،يوم 4/2/2013 لإسرائيل لأن الصحيفة نشرت صورة كاريكاتيرية لرئيس وزراء إسرائيل نتنياهو، وهو يبني جدارا بإسمنت أحمر من دماء الفلسطينيين، أما حجارة البناء فمن أشلائهم!!

وكان التعليق على الرسم يقول:

" هل يتمكن نتنياهو بعد الانتخابات أن يبني جدار السلام؟!!"

أما صاحب الرسم الكاريكاتيري فهو جيرالد سكارف(Gerald Scarfe)  وهو من أبرز الفنانين، ومن أبرز الرسامين لديزني وحاصل على جوائز عديدة، فضلا عن عمره الذي يقترب من الثمانين ،وإليكم بعض لقطات من اعتذار الصحيفة الكبرى:

" إن نشر الكاريكاتير كان خطأ جسيما من الصحيفة، لا لما يشير إليه من رموز، بل لأنه نشر في ذكرى يوم الهولوكوست العالمي، فقد ارتكبت صحيفتنا خطأ كبيرا عندما نشرته في اليوم الذي يُذكرُ العالمَ بأبشع مجازر التاريخ!!"

أما مالك الصحيفة الملياردير روبرت مردوخ فقد اعتذر أيضا قائلا:

" إن جيرالد لا يعبر أبدا عن الصحيفة وآرائها فالمعذرة!!!"

أما جيرالد فقد قال:

 إنني انتقد فقط سياسة نتنياهو، ولا أنتقد إسرائيل!!

أما تهمة جيرالد في الإعلام الإسرائيلي، فهي أنه لا سامي، وهي من أصعب وأعقد التهم التي لا يتمكن المتهم بهذه التهمة من أن يدافع عن نفسه، فهي وصمة أبدية!!

للإجابة عن عنوان المقال: لماذا يعتذرون دوما إلى إسرائيل؟

ليست الإجابةُ على السؤال صعبة، إذا أن كثيرين يعرفون بأن إسرائيل لا تملك معجزاتٍ خارقةً، بل إنها تعمل وفق إطارٍ مُنظمٍ مدروس، لم ننجح نحن في الاستفادة منه وتحليله.

فإسرائيل بارعةٌ في [ المتابعة] والمتابعة دائما هي بداية العمل المنتج الفعَّال، فنحن ننجح بالصدفة في البدايات، ولكننا نفشل في متابعة آثارها، ونفشل أيضا في استخلاص العبر من تلك الأحداث، أما إسرائيل فإنها تتابع وتحلل ثم تبلوَر الصيغ الجديدة في كل مرة يقعُ فيها حدثٌ من الأحداث!

أما نحن فإننا ننفعل في بدايات الحدث، ثم تبدأ أضواء حماسنا تخبو بمرور الساعات والأيام إلى أن ننسى الحدث نسيانا كاملا، وندفنه في قبور ذكرياتنا!

كما أن إسرائيل لا تنسى مخزوناتها الاستراتيجية من يهود العالم، ولم تعتبرهم فائضا بشريا يهوديا زائدا، ولم تعتبرهم منافسا على السلطة، بل إنها وظَّفتْهم واستخدمتهم استخداما منتجا فعالا لخدمة قضايا إسرائيل، ولم تكتفِ بعمل السلك الدبلوماسي البرتوكولي التقليدي غير المجدي، ولكنها غيَّرتْ صيغتَه واعتبرتْ أن كل جالية يهودية بعثة دبلوماسيةً إسرائيلية!

كما أن إسرائيل أيضا نجحت في توظيف الإعلام توظيفا جيدا لنقل رسائلها، ووزعتْ صحفييها وأنصارها على صحف العالم ووسائل إعلامه ليؤدوا  دورهم هناك لمصلحة إسرائيل الدولة اليهودية، ولم تحولهم إلى صحفيي بلاط للسلطة الحاكمة، وتنفي من الوطن كل الصحفيين البارزين المعارضين، وتحولهم إلى أعداء لأوطانهم، لا يشعرون بالحرية إلا خارج بلادهم !!