دَمُ اليَاسَمين بقلم : خيري منصور

دَمُ اليَاسَمين           بقلم : خيري منصور
دَمُ اليَاسَمين بقلم : خيري منصور

دَمُ اليَاسَمين         

بقلم : خيري منصور

اسمان تونسيان عَبَرا التاريخ والجغرافيا بكل ما لهما من دلالات، الأول كان شرارة الحريق الذي شمل البلاد وأسْقط نظاماً هو البوعزيزي، والثاني يخشى أهل وطنه أن يُدَشّن بالرصاصات الأربع التي اخترقت جسده مرحلة من العنف الدموي والاغتيال السياسي، هو شكري بلعيد .

 

الأول بكل الدلالات الرمزية لاحتراقه لم يهدف إلى امتداد النار لتأتي على الأخضر واليابس في وطنه، فتونس الخضراء هي الآن أقل اخضراراً رغم تسمية الربيع .

 

ومَنْ فَرَغوا للتو من البكاء على ضحايا حراكهم وجدوا أنفسهم في وداع ناشط سياسي قد لا يكون الأول والأخير، لأن فيروس الجريمة السياسية رشيق وماهر في سُرْعة التأقلم ونَقْل العدوى، وثمّة حروب أهلية بدأت بشرارة أو بضحية واحدة ثم التهمت معظم الغابة .

 

أما مَنْ رددوا غداة سقوط النظام في تونس، أن بلدانهم ليست تونس، فقد يردّدون الآن وَعَشية اغتيال بلعيد أن بلدانهم أيضاً ليست تونس، لكن الواقع لا يَعّبأ بمثل هذه التصريحات، وحين تتوافر مناخات مُحتقنة لإفْراز العنف وبالتالي الاغتيال، فإن الجميع لا بد أن يشملهم هذا الوباء . لكن، لماذا وكيف وبأية مفاعيل سياسية تحوّلت ثورات واعدة بتحرير الشعوب إلى نيران تهدّد الجميع؟ وهل كان قدر هذه الشعوب أن تراوح في مساحةٍ حَرِجَة بين الرمضاء والنار، وبين المطارق والسّنادين؟

 

ثمة أسئلة كثيرة تدور الآن في مصر وتونس وليبيا وربما في بقية الأقطار عن الأسباب التي حوّلت الوعد إلى وعيد، والزفاف إلى مأتم، وما نخشاه هو أن التربويات السياسية وأدبيات الانخراط في هذه الحقول المَلْغومة لا تتعلق بالأشخاص فقط، فالمسألة ليست في رحيل زيد وقدوم عُبَيْد، ما دامت المفاهيم هي ذاتها، وكذلك ما يَعْتَقِلُ الثقافة السياسية من هواجس الاستحواذ والاحْتكار .

 

ولم يخطر ببال أحد قبل عامين أن هناك تَزامُناً دراماتيكياً آخر سوف يحدث بين تلك البلدان، فالتزامن الأول كان في الحراك والتغيير والالتئام الوطني بين مختلف الأطياف السياسية، لكن التزامن الثاني جاء بين أزمات واختناقات وعنف مُتَبادل .

 

فَما الحكاية؟ وهل غاب عن المشهد مُتخصصون في علم الاجتماع السياسي وحتى الأنثربولوجيا السياسية وَفِقْه الاقْتتال الطائفي والجِهَوي، كي تبقى كل هذه الأسئلة بلا إجابات؟

 

إن ما يُضاعف من خطورة الجريمة السياسية، وخصوصاً الاغتيال، هو أنها تفتح باب جَهنّم، إذ سرعان ما يصبح الخطاب السائد حاضِنةً لإفْراز المزيد من العنف والاغتيال، لكن ما يغيب عن الأطراف المُصابة بالعمى، سواء كان أيديولوجياً أو بسبب النرجسية السياسية، هو أن تفشي هذا الوباء سوف ينتهي حتماً إلى اغتيال وطن .

فما يبدأ استثنائياً ومُتقطّعاً وَيُوَاجَهُ بالشّجب والاستنكار، قد يصبح عادة سياسية وليلاً بلا آخر .