المسألة المصرية تزداد تعقيداً بقلم : جميل مطر

المسألة المصرية تزداد تعقيداً  بقلم :  جميل مطر
المسألة المصرية تزداد تعقيداً بقلم : جميل مطر

المسألة المصرية تزداد تعقيداً

بقلم : كاتب عربي جميل مطر

لم يكن متصورا ان تكون في مصر نخبة سياسية لا يقدم أعضاؤها أو أحزابها أفكارا وبدائل لم يعد خافيا أن عددا من الدول يعيد النظر في موقفه من مصر خاصة ومن تيار الجماعة السياسي عامة، بعد فترة حظي فيها هذا التيار بقبول أميركي وبفرص غير قليلة ليتمكن من ترسيخ قواعده. حانت الفرصة الأولى مع سقوط أنظمة استبدادية تحجرت في الحكم وعطلت مسيرة التنمية ورفضت استباق الثورات بتبني ما كان مطروحا من مبادرات تغيير وإصلاح. استفاد من هذه الفرصة وغيرها جماعة «الإخوان» في مصر. وأظن انه بالفائدة التي تحققت لها ولحزب النهضة في تونس تجدد الأمل في عواصم عديدة وبخاصة في واشنطن، من أن الفرص الأخرى ستكلل أيضا بالنجاح مثل الفرصة الأولى. وبالفعل، انهمر سيل الاجتهادات الساعية إلى تطوير خطط الاستعداد للقبول بتيار الإسلام السياسي حاكما ومهيمنا على إقليم شاسع يضم دولا أغلب شعوبها من معتنقي الإسلام، وأغلب هذه الدول تخضع لحكومات وجدت صعوبة في الانتقال بشعوبها إلى مرحلة جديدة تتوفر فيها الحريات والحقوق السياسية للمواطنين. كان يمكن ان يحقق هذا الدعم نقلة نوعية نحو الاستقرار لو أن قمة «النظام الإسلامي الحاكم» في مصر حاولت ونجحت في تطوير سلوكيات قادته بسرعة لتتناسب مع مجتمع يمر بظروف غير عادية ومتلهف على ثورة لا تريد أن تكتمل ويستعجل قطف ثمار عاش رجاله ونساؤه وشيوخه وشبابه في انتظارها. يبدو واضحا لي، ولآخرين يزداد عددهم كل يوم في مصر وخارجها، ان قادة هذا النظام لم يستعدوا لاحتمال ان يتولوا مسؤولية حكم مجتمع يمر بهذه الظروف المعقدة، وربما لم يستعدوا في الأصل لاحتمال ان يتولوا مسؤولية حكم مجتمع في أي ظروف. يظن البعض، وله العذر، أن نضالات هذه الجماعة وعذاباتها وصعودها وانحدارها وأنشطتها كانت جميعها كتروس عجلة تدور في مكانها، نفعها عائد لها وحدها وصوتها أعلى من فعلها. سمعت مسؤولا غربيا يشرح ويحلل ويبرر. قال: «رهاننا كان على جماعة تحمل سمعة دقة التنظيم وطول العمر والبراغماتية السياسية. كان الرهان أيضا على نسبة كبيرة من الشـعب المـصري وشـعوب عربية أخرى مستعدة لمنح جماعة الإخوان المسلمين فرصة لتحقيق استقرار بأسرع ما يمكن، وتفكيك الأزمة الاقتصاديـة تمـهيدا لحلـها. وكان الرهـان كذلك على ان نجاح «الإخوان» في مصر يؤهل مصر لتشييد نظام إقليمي إسلامي جديد، دعائمه السمعة التي قام عليها رهان الغرب على حكم الإخـوان في مصر: استقرار سياسي سريع، حل المشكلات الاقتصادية، الهيمنة على القوى المتطرفة في تيار الإسلام السياسي واخضاعها لقواعد جديدة في السلوك السياسي». اشترك آخرون في الحوار وبينهم خبير في العلاقات الخارجية الأمريكية علق معربا عن موافقته على تحليل المسؤول الغربي ولكن معلنا أن هناك خيبة أمل، لم تصل بعد إلى حد اليأس وان اقتربت بشدة. خاب الأمل في واشنطن وربما في برلين وباريس ولندن من أن قيادة الإخوان في مصر لم تطور لنفسها مدونة سلوك سياسي يساعد من في الخارج كما من في الداخل على التمييز بين إرادة الجماعة وإرادة الحزب وإرادة حكومة الحزب وإرادة رئيس الدولة والجهاز المطوق له مباشرة. شرط استقرار العلاقات سواء الدبلوماسية أم الحزبية هو وضوح المسؤوليات وحدودها. كثير من اللوم، وإن من النوع الناعم، يلقونه على «الإخوان». يرددون ان آمال الغرب تعلقت بهم ليقودوا في مصر وغيرها ملتزمين شروط الديموقراطية الغربية وحرية التجارة والتحديث الديني. ومع ذلك يعترف خبراء كثيرون في الغرب بأنهم هم أنفسهم لم يتوقعوا أن الصعوبات ستكون إلى هذه الدرجة معقدة ومتشابكة. لم يكن متصورا، ولم يتوقعوا، أن يكون الرأي العام في مصر كما في تونس معارضا التشدد في تفسير الدين إلى هذه الدرجة. الشعبان متدينان وأثبتا هذا التمسك بالدين في لحظات عصيبة من ثورتيهما، ولكن كلا منهما أثبت في الوقت نفسه انه غير مستعد للخضوع لسلطة دينية تستخدم أدوات السياسة لتفرض عليه فهما معينا للدين وتضيف تقليصا جديدا إلى حرياته المنقوصة أصلا. أخطأ قادة الحزب المنبثق عن الجماعة، بل وأخطأ قادة الجماعة أنفسهم، حين امتنعوا عن استخدام القوة المعنوية للجماعة في الشارع، وللرد على الإساءات أو التفسيرات المتشددة والمثيرة للفتنة التي أطلقتها قوى متطـرفة. كان من الممكن أن يحقق «الإخوان» خطوة متـقدمة نحو الاستـقرار لو أنهم تحملوا مسؤولية تنحية الشوائب التي دخلت حديثا على الدين الإسلامي وإعادة تقديمه في صورة بهية تفيدهم كحزب في السلطة وتعينهم على خصومهم في تيار الإسلام السياسي المتأهبين للقفز إلى السلطة. كان معروفا أن مؤسسات الدولة المصرية راسخة حتى وإن كان أداؤها تدنى إلى ما تحت المستوى المقبول. كان معروفا أنها ستقاوم التغيير ما استطاعت إلى ذلك سبيلا: مشـروعا أم غير مشـروع. كان هناك من تصور انها إذا شعـرت برياح التغـيير تهدد محيطها ومصالحها وقلاعها، فإنها لن تتردد في استخدام أبشع صور التدخل في الحياة السياسية المصرية لوقف وصول هذه الرياح إليها أو لمنعها عند المصدر. هنا أيضا أخطأ الحزب الإسلامي الحاكم، وأخطأت الجماعة التي استثمرت براغماتيتها خلال الفترة الأخيرة، أي منذ نشوب الثورة، إلى الحدود قصوى. أخطأت حين تحالفت مع بعض هذه المؤسسات ضد قوى التغيير، أي ضد الثورة، وهى الآن تدفع ثمن هذا الخطأ الفاحش بفشلها في وضع صيغة «تحالف ثوري» يضمها إلى قوى الثورة الأخرى، لرسم معالم نظام سياسي مستقر، أو على الأقل رسم معالم طريق لمرحلة انتقالية سلمية وايجابية. كان معروفا أيضا ان هناك ندرة شديدة في القيادات السياسية القادرة على تسيير دولة، فما البال بدولة في حالة ثورة. أسباب شح القيادات واضحة وتعود إلى سنوات جدب سياسي عديدة. هنا أيضا لم يكن من المتصور أن تصل الندرة إلى درجة تسببت في أن تفلت من أيادي النخبة السياسية غير المندرجة في تيار الإسلام السياسي، الفرصة الذهبية لتتقدم الصفوف، وتستولي على مقاليد الحكم من حزب خاضع لجماعة تطل عليهم من خارج النظام السياسي. حاولوا الالتئام ولم يفلحوا. حاولوا الائتلاف وفشلوا. حاولوا إقامة جبهة تتفاوض وخابوا. حانت فرصة ثانية أتاحها الهبوط الشنيع في شعبية رئيس الدولة، رمز الجماعة والحزب وتيار الإسلام السياسي بأسره، ليختاروا من بينهم من يكون له بين الناس قبول أوفر، فيقود ويفاوض ويتزعم ويتكلم مع الغرب والعرب ومع العالم الأوسع. لم يكن متصورا ان تكون في مصر نخبة سياسية لا يقدم أعضاؤها أو أحزابها أفكارا وبدائل لحل قضايا هي الأخطر في تاريخ مصر. عشنا لنرى نخبـة في ثورة لا تطرح رؤى ثورية وتتعامل بمنـطق الاستقـرار في بيئة غير مستقرة، تتعامل مع مشكـلات الشـعب الثائر بالوعود وبالقطعة وبيد رخوة داخـل قـفاز ناعم. يقول الباحث المتخصص في شؤوننا إن هذه النخبة، بأوضاعها الراهنة وأوجه قصورها المتعددة وخلافاتها، لا تصلح بأي شكل لمواجهة عنـاد المؤسـسات العتيدة التي ترفض أن تستجيب لمطالب التغيير ومنطق الثورة، الأمر الذي يجعل الميادين والشوارع البديل الأوحد لمواجهة المؤسسات المناهضة للتغيير والتيار المناهض للحداثة والتـنوير في آن واحد. عندما نعرف أن مراكز صنع السياسة في الخارج توصلت إلى هذه النتيجة لا يحق لنا أن نتفاجأ بأن دولا عديدة، خاصة في الغرب، تعيد النظر في مواقفها من مصر تحت حكم تيار الإسلام السياسي.