مصر والخيار الأحمر بقلم : د. مغازي البدراوي

مصر والخيار الأحمر  بقلم : د. مغازي البدراوي
مصر والخيار الأحمر بقلم : د. مغازي البدراوي

مصر والخيار الأحمر

بقلم : د. مغازي البدراوي

حالة شديدة من الاكتئاب والضغط النفسي تعم الساحة المصرية، في أعقاب الأحداث الأخيرة التي وقعت منذ الخامس والعشرين من يناير الماضي وحتى الآن، وذلك بسبب المشاهد المأساوية التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك واليوتيوب.. وغيرها) ونقلتها شاشات الفضائيات العربية والعالمية، من مشاهد القتل والضرب والسحل في الشوارع، هذه المشاهد التي لم تشهدها الشوارع المصرية من قبل.

 

ولم يكن يتصور أحد أن تحدث بعد ثورة 25 يناير. ويزيد الأمر سوءا غياب المساءلة الجنائية للجناة، وعدم قيام أية أجهزة أمنية أو قضائية بملاحقتهم أو البحث عنهم، على الرغم من أن شهود العيان أعدادهم لا تحصى، ناهيك عن مشهد المواطن المصري المسحول على الأرض وحوله أكثر من عشرة أشخاص يرتدون زي الأمن، يضربونه بأرجلهم وبأيديهم وعصيهم ويعرونه تماما من ملابسه.

 

ويجري المشهد بجوار سيارة أمن كبيرة مصفحة، وينقل المسحول لمستشفى الشرطة، ويتقدم أهله ببلاغات للنائب العام، ولا شيء يحدث حتى الآن، وكأن مصر خلت من الأمن ومن القضاء ومن أي سلطة، سوى سلطة البطش والقتل، وكأن الهدف الأساسي هو تخويف وترهيب الناس حتى يجلسوا في بيوتهم ولا يثورون ولا يطالبون بشيء.

 

هذه العقلية التي تدير بهذه الأساليب الوحشية لا شك أنها عقلية رجعية متخلفة تعيش خارج الزمان، ولا وعي لديها بأية تطورات اجتماعية تدور حولها، وإذا كانت هذه العقلية هي التي تدير شؤون الحكم الآن، فلنقل على مصر السلام، ذلك أن هذه العقلية قد اختارت "اللون الأحمر" خيارا وحيدا لفرض سلطتها ونفوذها، ولا يمكن لمثل هذه العقلية أن تقبل بأي أساليب أخرى من حوارات أو غيرها، ومن العبث تضييع الوقت وراء البحث عن سبل للتفاهم والتهدئة الآن، لأن الأجندات مختلفة والأهداف متباينة.

السلطات قدمت تبريرات للأحداث من السذاجة والسفاهة التي لا يصدقها طفل صغير، وهذا في حد ذاته ينبئ بشر كبير، إذ يعني أن الفاعل في كل هذه الجرائم لديه حماية وحصانة كاملة ضد أية إجراءات أمنية أو قضائية، مما يعني أن الأمور ستستمر على هذا الحال وتتضخم للأسوأ.

لقد أيقن الشعب المصري تماما خلال الأيام القليلة الماضية أن ثورته قد سرقت منه، وأن السارق عصابة كبيرة تحايلت وكذبت وخدعت حتى تمكنت، وأنه لا سبيل لاسترجاع الثورة إلا بالثورة نفسها.

ولكن للأسف لن تكون في هذه المرة ثورة سلمية مثلما كانت، بل على العكس، ورغم أنف الشعب والثوار أنفسهم، ستكون ثورة دموية، ذلك أن السارق لا خيار أمامه الآن سوى أن "يكون أو لا يكون"، فقد انكشف أمره، وإذا فقد نفوذه وسلطانه فسيكون مصيره مثل مصير النظام السابق المخلوع خلف القضبان، وسوف يساءل عن كل هذه الجرائم التي ارتكبها.

أما الرهان على تراجع الشارع وخوف الشعب، فهو رهان خاسر تماما، لأن الجموع الثائرة هذه ليس لديها شيء لتخسره أو تخاف عليه، ومشاهد الدم ملأتها بشحنة ثورية قوية يصعب إطفاؤها.