القمة الإسلامية والمفاجأة السورية ... بقلم ممدوح طه

القمة الإسلامية والمفاجأة السورية ... بقلم ممدوح طه
القمة الإسلامية والمفاجأة السورية ... بقلم ممدوح طه

القمة الإسلامية والمفاجأة السورية ... بقلم ممدوح طه

ما بين القمة الإسلامية الأولى في الرباط، عقب جريمة حرق المسجد الأقصى المبارك في أغسطس عام 1969، بعد عامين من احتلال إسرائيل لمدينة القدس العربية في عدوان يونيو 1967 والذي انتهى باحتلال الضفة الفلسطينية، وسيناء المصرية، والجولان السورية، وبين القمة الإسلامية الثانية عشرة التي اختتمت أعمالها، أمس، في القاهرة، جرت مياه كثيرة، واندلعت حرائق كبيرة، وتغيرت معالم كثيرة، وتراكمت الأزمات، وتضخمت الملفات أمام المؤتمرات، لكنها بقيت دون حلول حاسمة!

 

وهذه القمة انعقدت في ظل متغيرات دراماتيكية، اجتاحت تونس ومصر وليبيا واليمن وتتواصل على سوريا، صعدت إلى السلطة فيها جماعات وأحزاب إسلامية إخوانية وسلفية، بوسائل انتخابية في تونس ومصر، ووسائل مختلفة في ليبيا واليمن، في ما وصفه البعض بالربيع العربي جغرافياً، والآخر بالربيع الإسلامي أيديولوجيا..

رغم أن ما صنعته هذه الجماعات من أزمات دستورية وسياسية واقتصادية وأمنية خطيرة، جعلته أقرب إلى صقيع الشتاء من دفء الربيع، وإلى الصيف الحارق من رياح الخريف! وبينما أكتب هذه السطور قبيل افتتاح هذه القمة الثانية عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي، التي تنعقد برئاسة مصر في ظل ذات الأزمات المتفجرة على سطح صفيح ساخن، فقد طرحت أمام القمة ملفات تتضمن قضايا مهمة، مثل كيفية مواجهة التحديات الخارجية والأزمات الداخلية.

واستعادة الوحدة الإسلامية، وتفعيل الحوار بين المذاهب الإسلامية، والبحث عن حلول سياسية واقتصادية وإنسانية عادلة وعاقلة، وقابلة للتحقيق، تتعلق بالقضايا والأزمات الملحة في الدول الإسلامية.. ومنها أتوقف أمام ملفين رئيسيين؛ الفلسطيني والسوري.

وإذ جاءت القضية الفلسطينية في المقدمة باعتبارها قضية القضايا العربية والإسلامية، والتي ظلت بنداً ثابتاً على أجندة القمم الإسلامية العادية والاستثنائية السابقة، واحتلت صدر البيانات التي صدرت على مدى الثلاثة والأربعين عاماً الماضية، وهي حماية المسجد الأقصى من مخططات المستوطنين المتطرفين الصهاينة للعدوان عليه، ودعم صمود مدينة القدس ضد مخططات التهويد عبر إقامة المستوطنات لتغيير الطبيعة الديمغرافية والتاريخية للمدينة المقدسة.

فإن من المثير للاستغراب أن نص القرار الذي لم يتغير وظل ثابتاً ربما بنفس العبارات في ما يتعلق بهذه القضية، لم يتغير معه الواقع على الأرض الفلسطينية المحتلة على مدى كل هذه المؤتمرات وعلى امتداد كل تلك الأعوام إلا قليلاً؛ سلبياً بتصاعد عمليات الاستيطان اليهودية دون توقف، وإيجابياً بفعل المقاومة الفلسطينية، وليس القرارات السياسية، بإجبار المحتلين الصهاينة على الانسحاب من غزة مع بقاء الحصار الغاشم على القطاع.

ولا نغفل هنا ما بذل من جهد وما قدم من دعم في هذا المجال لمساعدة الشعب الفلسطيني على الصمود، سواء في الضفة المحتلة أو في غزة المحاصرة، وفي دعم عضوية فلسطين للمنظمة الدولية، إلا أن النتيجة الواقعية المؤسفة هي أن قادة 57 دولة إسلامية تضم نحو مليار ونصف المليار مسلم، لم يستطيعوا على مدى هذه العقود تغيير الواقع على الأرض، حيث القدس ما زالت محتلة، والأقصى ما زال أسيراً، والدولة الفلسطينية لم تقم بعد، رغم مبادرة السلام العربية وكل القرارات الأممية، بسبب غياب الوحدة الإسلامية.

والانشغال بالمعارك المذهبية بين الأشقاء عن التصدي الموحد لاعتداءات الأعداء، ولمؤامرات الفتن والفوضى والانقسامات التي يحركها حلفاء الأعداء! وفي ملف الأزمة السورية، بدا فجأة أن هناك ضوءاً مرئياً في نهاية النفق المظلم، ليس بفعل هذه القمة الإسلامية العادية في القاهرة، ولا الاستثنائية التي سبقتها في مكة المكرمة التي علقت عضوية سوريا في المنظمة الإسلامية.

وليس بفعل الجامعة العربية التي عجزت عن مواجهة الأزمة السورية برؤية واقعية وقابلة للتنفيذ، توقف الاقتتال الدامي وعمليات الهدم والتدمير، فزادت الأزمة اشتعالاً وجرت الدماء أنهاراً، ولم تعد الجامعة جزءاً من الحل الذي جاء من ميونخ الألمانية، في شكل مفاجأة مدوية سبقت القمة الإسلامية بيومين، وكنت أتمنى أن يكون ضمن نتائجها!

 

صاحب المفاجأة هو إمام المسجد الأموي السابق ورئيس الائتلاف السوري الحالي، أحمد معاذ الخطيب، الذي أعلن اقتراحه الجريء بإجراء مفاوضات مباشرة مع النظام السوري، لوقف نزف الدماء وللتوصل إلى حل سياسي يحقق للشعب طموحه ويحفظ للوطن وحدته، بل وطالب الرئيس بشار الأسد بإيفاد نائبه فاروق الشرع لبدء الحوار، ليخطف الأضواء والاهتمام في الاجتماعات الأربعة التي أجراها مع وزراء خارجية كل من روسيا وإيران والاتحاد الأوروبي ونائب الرئيس الأميركي جو بايدن، بتنسيق الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي والعربي لسوريا.

هذه المبادرة التي تشكل تحولاً بارزاً في مسار حل الأزمة، والتي تجاوزت كل المبادرات العربية أو الإسلامية السابقة، حظيت بدعم دولي ناتج عن تفاهم روسي أميركي على ضرورة التحرك عملياً وسريعاً نحو الحل السياسي.

وذلك لانسداد آفاق الحل العسكري، وخطورة استمرار العنف العبثي ونزف الدم المجاني للشعب السوري، بسبب الاقتتال بلا نتيجة بين المسلحين والثائرين والجيش السوري، وذلك بناء على حصيلة ما توصل إليه الإبراهيمي من ضرورة اعتماد «بيان جنيف» الذي اعتمد الحل السياسي واستبعد الحل العسكري.

وبينما حظيت مبادرة الخطيب التي كسرت الجليد بين المعارضة السورية وكل من موسكو وطهران، وفتحت الباب لحل الأزمة السورية وبدء الحوار الوطني، وصولاً إلى تحقيق التغيير الديمقراطي بتشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، بأقل الخسائر وبأقصر الطرق وفي أسرع وقت، بالتشجيع والدعم من الدول المتصلة بالأزمة.

فقد وقعت تلك المبادرة الإيجابية كالصاعقة على رؤوس بعض أطراف المعارضة، كالإخوان المسلمين والمجلس الوطني، وصدرت من عدد من الشخصيات تلك الأطراف تصريحات تتهم الخطيب بأنه «أعلن فشل الثورة السورية، وقصم ظهر الائتلاف الوطني»!

لكن الأغرب كان رد الفعل التركي وبعض الأطراف الإقليمية الأخرى، حيث صدرت تصريحات مرتبكة تشكك في جدوى الحل السياسي، من أبرزها تصريح لوزير الخارجية التركي داوود أوغلو، في حين خالفه أمين منظمة التعاون الإسلامي إحسان أوغلو بالقول: إن «الحل السياسي يظل هو الخيار الوحيد المطروح علي الساحة، مهما احتدمت الأوضاع الأمنية السورية، وهو المخرج الوحيد للأزمة، والبدائل ستكون مرعبة وتأثيراتها سلبية في المنطقة كلها».

وهكذا بدا للجميع أنه لا حل للخلافات والانقسامات على المستوى الوطني والقومي والأممي، إلا الحل السياسي عبر الحوار.. وأن لا صوت معقولاً ولا مقبولاً بات يعلو فوق صوت الحوار الوطني والعربي والإسلامي.