الامتنان والشكر لهاتفي المحمول / بقلم توفيق أبو شومر

الامتنان والشكر لهاتفي المحمول / بقلم توفيق أبو شومر
الامتنان والشكر لهاتفي المحمول / بقلم توفيق أبو شومر

الامتنان والشكر لهاتفي المحمول / بقلم توفيق أبو شومر

لم يكن مخترعو الهاتف المحمول يظنون بأنه سيتحول من هاتف محمول في الجيب إلى شريحة تدخل في أجسادنا وتصبح إحدى جيناتنا! لم يكن مخترعوه قد استعدوا لمفاجآت المستخدمين الذين تمكنوا بعد جعله  أغلى وأكثر التصاقا بهم من زوجاتهم وأبنائهم أن يصبح علاجا وداء في وقت واحد! فهو مسؤول عن توسيع حناجرنا، وإزاحة ملمات صدورنا، نهرب إليه كلما وقعنا في ضائقة، نستدعي به الآخرين ليبثوا مكنونات نفوسهم، فقد أزال حواجز المكان والزمان، وأزالت الأصواتُ المنبعثة من ميكروفوناته وسماعاته بُعدَ الزمان والمكان. ووفرت على صانعيه ومبتكريه جيوشَ الرقباء وكتائب الجواسيس وفيالق العيون الراصدة، وأصبحت الأوطان كلُّها مجرد أصواتٍ وحواراتٍ، ينقلها الهاتف المحمول إلى الغرف فتتحول إلى ملفاتٍ وشرائط تسجيل. ولكن أهم مميزات الهاتف النقال أنه ينقذني كثيرا عندما أضطر لحضور حوار عقيم، ونقاشٍ سقيم فيدقُّ حينئذٍ أقول وأنا أهرب من الحوار العقيم: ما أعظمك أيها الهاتف المحمول، فأنت دائما منقذي من السفسطات والخطابات والتعليقات والأغاني التي يرددها كثيرون كلما اجتمعوا في الندوات والحوارات والمؤتمرات، ولا يغيرونها أبدا ظنَّا منهم أنها أغانٍ أبديةٌ خالدة مدى الدهر، وينسون أن الآذان قد سئمتها منذ عقودٍ، فتدقُّ أيها الهاتف الرائع، فأبتسم مغتبطا وأنا أتحسسك بلطفٍ وحنان وأسعدُ برنتك المحببة وأخرج هاربا! ما أروعك أيها الهاتف المحمول الذي يُنجيني دائما من لقاء مَن لا أحبُّ لقاءهم حين أراهم بالصدفة، فأسحبك بخفة يدٍ من جيبي كلاعب سيرك يقدم عرضا سحريا، وأتفحص شاشتك حتى أتجنب اللقاء!!ّ ما أجملك أيها الهاتف المحمول عندما أصطدم بعقبةٍ أو أرى منظرا قبيحا وخرقا للقانون، فإنني أمتشقك وأجردك كما يمتشق المحارب القديم سيفه، وأضعك على أذني، حينئذٍ يكف المخالفون عن انتهاك القانون ويهربون!! ما أبدعك أيها المحمول في القلب حينما توفر عليَّ جهدَ الصدام الجسدي بالخصوم، فأنا ضعيفٌ بالنسبة لهم، غير أنك تجعلني أقوى حين توفِّر عليَّ الصدامَ الجسدي وتستبدله بصدامٍ لغويٍّ خطابي، فأُنَفِّسُ في سماعتكِ ضائقتي واستبدل ضعفي الجسدي بقوة بلاغتي ومنطقي وخطابي فأخرج منتصرا وكنتُ أظن أني لا أنتصر أبدا!! لقد أدركَ صانعوك هذه المزايا واخترعوا خدماتٍ جديدة يمكن للراغبين فيها أن يحصلوا عليها، ليس فقط ( خدمة التغرير والكذب)وهي إيهام الطرف الآخر(المزعج) طالبُ الحديث معك بأن هاتفك مغلق وأنك خارج التغطية،وهي أحدى أبرز الأكاذيب التي نُقبل على شرائها واستعمالها بكثرة!! وليست مميزاتك أيضا في الخدمة التي تقدمها للزبائن وهي خدمة (الانتظار) التي تجعلك تشتاق إلى المطلوب وتسعى في إثره وتدفع ثمن انتظاره نقودا من جيبك!! وليست عبقريتُك أيضا في خدمة مكالمات الأحبة والأصدقاء، والذين تظن أنها رخيصة الثمن، فتبوح فيها بكل ما في نفسك من أسرار، وتظن أنها في آبار عميقة، وليست مسجلة في شرائح وإسطوانات!! ولعل أبرز ما في هذه الخدمات المبتكرة والرائعة التي وفرتها الشركاتُ الصانعة للهواتف المحمولة، خدمة (الاحتيال)!! وهي الخدمة التي تجعل هاتفك المحمول نفسُه يرنُّ ويطلبك في المآزق لتتمكن من الهروب وقتما تشاء، وهذه الخدمة سهلة لأنها تتم  بلمسة سريعة من إصبعك لهاتفك المدفون في حضن جيبك!!

--