خيارات الإنقاذ في مصر / بقلم محمد السعيد ادريس

خيارات الإنقاذ في مصر / بقلم محمد السعيد ادريس
خيارات الإنقاذ في مصر / بقلم محمد السعيد ادريس

خيارات الإنقاذ في مصر / بقلم محمد السعيد ادريس

 

البيان الذي أعلنه شباب جبهة الإنقاذ الوطني المعارض في مصر بعد ساعات قليلة من توقيع قادة الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في هذه الجبهة على وثيقة دعت إلى التشديد على نبذ العنف ودعم الحوار في اللقاء الذي كان قد دعا إليه شيخ الأزهر الشيخ الدكتور أحمد الطيب ظهر الخميس الماضي (31/1/2013) وضم قادة الجبهة مع ممثلين لحزب الحرية والعدالة (حزب الإخوان المسلمين)، إضافة إلى ممثلين عن التيار السلفي وممثلين للكنائس وأحزاب وقوى سياسية وشبابية كشف عن وجود فجوة بين مواقف شباب هذه الجبهة وقادتها بدأت عقب “التغريدة” التي أطلقها الدكتور محمد البرادعي منسق هذه الجبهة رئيس “حزب الدستور” على موقع “تويتر” وتضمنت دعوة إلى اجتماع فوري مع رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي لإجراء حوار جاد، وإعطاء الأولوية لوقف العنف المتصاعد في البلاد، وشدد البرادعي في هذه الدعوة على “بدء حوار جاد يتطلب التزام الضمانات التي طرحتها جبهة الإنقاذ وفي مقدمتها حكومة إنقاذ وطني ولجنة لتعديل الدستور، بمشاركة الرئيس ووزيري الداخلية والدفاع وحزب الحرية والعدالة وجبهة الإنقاد والسلفيين” .

دعوة البرادعي أثارت ردود فعل سلبية عدة ليس فقط في أوساط شباب “جبهة الإنقاذ” بل وفي أوساط قادتها حيث عبر بعضهم عن استيائه منها واعتبرها مبادرة شخصية وليست حصيلة تشاور مع أحد لا من قادة جبهة الإنقاذ ولا حتى في أوساط حزب الدستور الذي يترأسه البرادعي . شكوك الشباب في أن شيئاً ما قد يحدث أو يعد له تزايدت عقب لقاء بعض قادة الإنقاذ مع ممثلين لحزب النور السلفي لتدارس المبادرة التي كان الحزب قد أعلنها لبدء حوار وطني بين القوى السياسية على قاعدة تغيير النائب العام من خلال ترشيحات يقررها مجلس القضاء الأعلى بشكل مستقل تماماً عن الدولة، وتشكيل حكومة ائتلافية تقود العمل الوطني في المرحلة المقبلة، وتشكيل لجنة خبراء لبحث وإقرار المقترحات الخاصة بتعديل المواد المختلف عليها في الدستور .

هذه التطورات الثلاثة المتلاحقة والمتداخلة زمنياً: مبادرة حزب النور ولقاء قادة الجبهة للتباحث فيها، ودعوة البرادعي للحوار مع الرئيس وجماعة الإخوان، ثم وثيقة: “نبذ العنف” التي وقع عليها قادة الجبهة فاقمت من مخاوف الشباب من حدوث انتكاسة في الترتيبات التي كانوا يعدون لها ليوم الجمعة الأول من فبراير/شباط الجاري فضلاً عن رفضهم لتوقيع قادة الجبهة على وثيقة تدين العنف من طرف واحد هو شباب الثورة والمتظاهرين ضد إدانة عنف أجهزة الأمن التي كانت قد قتلت العشرات وجرحت المئات خلال أقل من أسبوع واحد في ميدان التحرير ومدن القناة الثلاث: بورسعيد والإسماعيلية والسويس . من هنا جاء البيان الذي أعلنه شباب جبهة الإنقاذ في مؤتمر صحفي دعوا فيه إلى الزحف نحو قصر الاتحادية (مقر رئاسة الجمهورية) والاحتشاد في الميادين المصرية كافة تحت شعار “جمعة الخلاص” .

 

في  هذا البيان لم يتعرض شباب جبهة الإنقاذ إلى “ملهاة” الحوار مع النظام . ولكنهم دعوا إلى إسقاطه، وإسقاط الدستور المقسم للوطن، وحل مجلس الشورى غير الشرعي، وإقالة حكومة هشام قنديل، وتفكيك جماعة الإخوان المسلمين، واستكمال أهداف الثورة باعتبار ذلك الطريق الاسلم لتحقيق التقدم والاستقرار للبلاد وبناء مصر الحديثة .

وجاء الحشد الشعبي لجمعة الخلاص في ميدان التحرير وسط القاهرة ومدن القناة الثلاث والإسكندرية والعديد من المدن المصرية ورفع شعارات “إسقاط النظام” و”إسقاط حكم المرشد” ناهيك عن شعار “ارحل” للرئيس لتكشف فجوة إدراك كل من قادة جبهة الإنقاذ وشبابها للعلاقة مع النظام الحاكم في مصر، وهي الفجوة المرشحة للاتساع إذا لم يراجع قادة الجبهة مواقفهم خاصة بعد الصدامات الدامية التي وقعت أمام قصر الاتحادية مساء الجمعة الماضي والتي جاءت تحدياً لتوقيع قادة جبهة الإنقاذ على وثيقة نبذ العنف .

مراجعة المواقف تبدأ من جدية تمسك شباب جبهة الإنقاذ بمطلب إسقاط النظام . والمراجعة هنا لا تخص قادة الجبهة فقط بل تخص قادة النظام وخاصة الرئيس محمد مرسي وقادة الإخوان المسلمين الكبار وعلى الأخص المرشد الدكتور محمد بديع ونائبيه: خيرت الشاطر ومحمود عزت باعتبار أن هؤلاء الأربعة هم أصحاب القرار الفعلي في النظام الآن . فهؤلاء جميعاً ومعهم كل من وقعوا على وثيقة الأزهر الجديدة الخاصة بنبذ العنف والتي دعت أيضاً إلى تشكيل لجنة تمثل كافة الأطياف المشاركة في العملية السياسية لتصوغ أولاً الأسس والضوابط والضمانات وأجندة الحوار الوطني المقترح “وبلا شروط” حسب تعبير الدكتور سعد الكتاتني رئيس “حزب الحرية والعدالة”، أي من دون مطالب مسبقة سواء أخذت اسم الشروط أو الضمانات على النحو الذي ورد في مبادرة حزب النور أو دعوة البرادعي، أو مطالب قادة جبهة الإنقاذ، هؤلاء كلهم مطالبون بإيجاد حل للمأزق الذي يواجه مصر الآن والذي يتمثل في الفجوة بين مواقف شباب الثوار ومواقف القادة الكبار الذين تداعوا جميعاً إلى مشيخة الأزهر ظهر الخميس الماضي للبحث في إحياء دعوة الحوار الوطني ابتداء من التشديد على نبذ العنف الذي كان شرطاً أساسياً للبدء في الحوار من جانب قادة حزب الحرية والعدالة عقب ظهور جماعة “الكتلة السوداء” (بلاك بلوك) كطرف مباشر في معادلة الصراع الدائر الآن وكرد فعل على ظهور ميليشيات الإخوان وميلشيات حازم أبو إسماعيل واستخدام قوات الأمن العنف المفرط في مواجهة المتظاهرين، وهي الجماعة التي رفعت شعار “العنف بالعنف والدم بالدم” .

الحل المطلوب للمأزق الراهن لن يكون إلا حلاً يكفل تحقيق أهداف الثورة، وذلك لن يكون ممكناً في ظل استمرار المعادلة السياسية الراهنة على ما هي عليه، وهي معادلة تمكين الإخوان المسلمين من احتكار السلطة على اعتبار أنهم حزب الأغلبية من دون تدقيق في ما هي هذه الأغلبية التي لم يعد لها أي وجود فعلي بعد حل مجلس الشعب، وفي ظل التشكيك في شرعية مجلس الشورى، فضلاً عن أنه من المستحيل أن تكون هذه الأغلبية متركزة في كون رئيس الجمهورية محمد مرسي هو أحد قادة الإخوان المسلمين حيث إن الرئيس من المفترض أن يكون رئيساً لكل المصريين وليس لجماعة أو لما يسميهم هو “أهله وعشيرته” .

فمعادلة الحكم الراهنة قائمة بالفعل على افتراضات مغلوطة منها التمسك بشرعية الرئيس المستندة إلى صناديق الانتخابات ومنها شعار “تداول السلطة” كأساس للحكم أي من يحقق أغلبية الصناديق يكون هو، من دون غيره، صاحب الحق في الحكم .

هذه الافتراضات مغلوطة وليست لها علاقة بجوهر الديمقراطية التي تعني حكم الشعب، وأن يكون الشعب شريكاً في الحكم خصوصاً بالنسبة للدول التي تعيش مراحل التحول الثوري .

فتداول السلطة كأساس للحكم الديمقراطي يكون متاحاً بعد استقرار واكتمال عملية المتحول .

لذا، فإن أي حوار سياسي للخروج من المأزق الراهن يجب أن يرتكز قبل كل شيء على إعلان الرئيس مرسي وقادة جماعة الإخوان المسلمين (مكتب الارشاد) بقبول مبدأ “الشراكة الوطنية الجامعة” على قاعدة تقاسم السلطة “كأساس للحكم خلال مرحلة يمكن اعتبارها انتقالية قد تمتد أريعة أعوام أو ثمانية إلى أن يستقر النظام السياسي في مصر على قيمه السياسية العليا وثوابته الاستراتيجية وأن يدون هذا كله في دستور وطني جديد، وبعدها يكون التوجه نحو الأخذ بمبدأ “تداول السلطة” كأساس للحكم على قاعدة ما تفرزه صناديق الاقتراع .