أوطان العرب / بقلم محمد الحمادي

أوطان العرب / بقلم محمد الحمادي
أوطان العرب / بقلم محمد الحمادي

أوطان العرب / بقلم محمد الحمادي

نتشارك في التاريخ، ونتكلم بنفس اللغة، ونمارس نفس العادات والتقاليد، ونحب الدين، ونتطرف فيه بالقدر نفسه، ونظرتنا للحياة تقريباً لا تختلف، وبقدر ما نحب بعضنا البعض بقدر ما نختلف! إننا متشابهون في كل شيء، إلا أننا مختلفون تماماً في السياسة، وفي تقييم الشأن السياسي والحدث السياسي وقراءة المستقبل السياسي، فنبدو وكأننا شعوب لا علاقة بينها... أتكلم عن الشعوب العربية.

هذا التباين العربي ليس جديداً وربما وضح لأول مرة وبشكل قوي أثناء غزو صدام للكويت قبل أكثر من عشرين عاما، فانقسم العرب بين مؤيد لذلك الاحتلال وبين من وقف في وجه صدام وقرر محاربته إلى أن تم تحرير الكويت –التي تحتفل هذه الأيام بذكرى استقلالها وتحريرها- والمرة الأخرى كانت قبل عشر سنوات عندما غزت القوات الأميركية العراق من أجل إزالة نظام صدام واختلف العرب حينها أيضاً على ذلك الغزو. والحقيقة أنه منذ أن بدأ العرب في الاختلاف لم يتفقوا، بل هم يزدادون اختلافاً وفرقة سياسية، لدرجة أنهم يكونون على طرفي نقيض من قضية واحدة!

من يراقب موقف الشعوب العربية مما يحدث في مصر أو سوريا هذه الأيام، وما حدث في ليبيا وتونس واليمن، يلاحظ أن الشارع العربي –فضلاً عن الحكومات- اتخذ مواقف متباينة من «الربيع العربي»، لدرجة أن البعض أطلق عليه «ثورة»، والبعض الآخر اعتبرها فوضى! يبدو أن الخلفيات المحلية تؤثر على قرارات الإنسان العربي السياسية، فمن يعش في استقرار وأمن في بلده ير فيما يحدث في دول «الربيع» فوضى، ويرى أن على الناس أن لا يخربوا بلادهم، وأن يحافظوا على إبقاء الأوضاع على حالها إلى أن «تعتدل»، أما من يعيشوا في دول فيها من الظلم والقهر والفساد ما فيها، فنجدهم متحمسين لتلك التحركات، ويعتبرونها ثورات ضد الظلم والفساد، ومن أجل الحرية والكرامة ويدعمون تلك «الثورات»، بل وعمل بعضهم على استنساخها في بلدانهم.

وفي قضايا أقدم، يبدو التباين واضحاً أيضاً، فعلى سبيل المثال... في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي –أو ما كان يسمى بذلك- هناك تفاوت واضح في مستوى تقبل العلاقة مع إسرائيل على المستوى الرسمي بشكل خاص وإلى حد ما على المستوى الشعبي، فعلى الرغم من أن كل العرب -بلا استثناء- متفقون على أن إسرائيل تحتل أرضاً عربية، وأنها كيان عنصري غريب في المنطقة، إلا أن منطق التعامل معها يختلف... بين دول تعارض أي علاقة معها، وبين دول أصبحت صديقة لها، ودول لديها الاستعداد التام للتعامل معها، وتنتظر مبرراً لذلك، وفي الوقت نفسه أصبحت فئات من الشعب العربي تنظر لإسرائيل على أساس أنها واقع لا يمكن تجاهله، ولابد من التعامل معه.

مثال آخر إيران الجارة المسلمة... كذلك العرب غير قادرين على الاتفاق على موقف واحد تجاهها، فعلى الرغم من تدخلات إيران المتكررة في شؤون الدول العربية، وعلى الرغم من ثبات تورطها في زعزعة استقرار دول عربية، وعلى الرغم من انكشاف أمر تصديرها لثورتها، وعملها على نشر المذهب الشيعي في دول عربية، إلا أن العرب لا يزالون متباينين في تعاملهم معها، وهي التي تحتل منذ أكثر من أربعين عاماً جزراً عربية وترفض إعادتها للإمارات، وهي التي تضطهد الأقلية العربية في منطقة الأهواز.

يبدو واضحاً أن منطلقات حكم الدول العربية والإنسان العربي على الأمور أصبحت تنبثق من نقطين، الأولى هي مصالحهم القطرية... فما يتماشى مع مصلحة البلد والدولة هو الذي يتم اعتماده، وحتى إن كان يتعارض مع مصلحة الجار العربي، أو يتعارض مع مصالح باقي العرب. وهذا ما يجعل بعض الحكومات العربية، تبدو غريبة في مواقفها المتباينة مع شقيقاتها العربيات.

والنقطة الثانية هي أن حكم دول وشعوب أخرى تنطلق أو تبنى على نظرتها لحياتها في بلدانها، فالمواطن في الدول المستقرة يعتقد بأن كل الدول العربية الأخرى مستقرة، والمواطن في الدول غير المستقرة يعتقد أن كل الدول مثل دولته، وما يتفق عليه الطرفان أن كلاهما يعتقد أن ما يصلح له يصلح للآخر، وما يضره يضر الآخر وهذا خطأ أوضحت الأيام والأحداث أنه يجب تجاوزه.

المواطن العربي يفترض أن يدرك وهو يحكم على الأمور أو الأحداث في دولة وإن كانت جارة لا تفصله عن دولته غير حدود طبيعية أن حكمه يجب أن ينطلق من واقع ذلك البلد، وليس من واقع بلده هو. ففي مسألة «الربيع العربي»، هناك دول كانت بحاجة إلى التغيير، لأنها وصلت لطريق مسدود مع حكوماتها من أجل الوصول إلى نهاية لمعاناتها. وفي المقابل هناك دول أخرى حاولت بعض الأطراف فيها إحداث التغيير فيها، لكنها لم تنجح لأنها لم تصل إلى نفس حال تلك الدول من الحاجة إلى تغيير.

هناك من يحاول أن يروج بأن «أعداء الأمة» هم الذين يذكون الخلافات بين الدول العربية. غير أن الأحداث أكدت، وتؤكد بأن العرب «يكفون» أنفسهم في ذلك، ويختلفون دون حاجة إلى طرف خارجي! لكن السؤال المهم هو هل استمرار هذا الخلاف والاختلاف والتباين والتناقض العربي خصوصاً في القضايا الكبرى يعتبر أمراً صحياً أم أنه خطر عليها؟! لكن عندما نتكلم عن المصالح المشتركة والمصير المشترك وعن الخطر المشترك والعدو المشترك فلا يبدو هذا الاختلاف العربي صحياً على المدى البعيد بل ستكون له تأثيراته السياسية على المنطقة بأسرها.

هل فعلاً لا يزال العرب أمة واحدة وهم يتباينون في مواقفهم تجاه القضايا الرئيسية؟. يبدو أننا لم نعد نعيش في وطن عربي واحد وإنما في أوطان عربية... على الأقل على الصعيد السياسي!