الأردن والإمارات نموذج لبناء تحالفات استراتيجية / بقلم رومان حداد

الأردن والإمارات نموذج لبناء تحالفات استراتيجية / بقلم رومان حداد
الأردن والإمارات نموذج لبناء تحالفات استراتيجية / بقلم رومان حداد

الأردن والإمارات نموذج لبناء تحالفات استراتيجية / بقلم رومان حداد

الآلية الهادئة التي يتم فيها رسم العلاقة بين الأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة ينقلها إلى مستويات جديدة من التعاون العربي الذي لا يقوم على أسس تكتيكية مرحلية بل على أسس استراتيجية طويلة المدى، فالقيادتان في كلتا الدولتين تدركان التحديات الكبرى التي تواجهها المنطقة، وعدد المخططات والسيناريوهات المطروحة كحلول ممكنة للإشكاليات العالقة فيها.

في ظل هذه الظروف رأى كل من الأردن والإمارات أنهما قادران على إيجاد تقاطعات عظمى تجمعهما معاً ليكوّنا نواة تحالف نوعي قادر على تقديم نموذج عربي ناضج للإصلاح وقابل للتعميم في المنطقة، في مواجهة نماذج بديلة اُقترحت للحكم في دول عربية أخرى لم تستطع تقديم الحلول أو تحقيق مقدمات النجاح على أرض الواقع.

فكانت المقاربات العقلانية الأردنية الإماراتية لأحداث المنطقة مؤثرة وأحدثت فارقاً، فمع التأكيد على حق الشعوب في نيل حريتها إلا أنه في ذات الوقت تم التأكيد على ضرورة الحفاظ على لحمة الشعوب وعدم تقسيم الأرض ورفض تدمير بنى الدولة، وإذا كان هذا يقع في الإطار التكتيكي فإن التحالف الأردني الإماراتي يدرك على المستوى الاستراتيجي أن الأفكار القديمة ليست بالضرورة أفكاراً بالية بل ربما هي أفكار سبقت أوانها للظهور فلم تجد من يطبقها بصورتها المثلى، ولذا فإن نفض الغبار عن هذه الأفكار سيعيد لها بريقها وألقها من جديد، وستكون هي بوابتنا للخروج من هذه الفوضى المدمرة.

وتطبيقاً لذلك ظهر التحالف الأردني الإماراتي كمثال للتوحد العربي، فإذا كان ما تفعله الفوضى الخلاقة هو إلغاء الهويات الكبرى الجامعة، وإعلاء الهويات الفرعية المفرقة، واستخدامها لإحداث الخلاف والفرقة، عبر تغذية أحقاد وضغائن تاريخية يتم تصفيتها بأسلحة متطورة وحديثة لتتحول الهوية من مفهوم يجمع إلى مفهوم يفرق وهو ما يمكن تسميته بحالة الهويات القاتلة فإنه لا بد من الرجوع إلى الهوية الجامعة والتي هي في هذه الحالة الهوية القومية العربية، هذه الهوية التي يجد فيها الجميع فرصته على اختلاف عرقه أو دينه أو مذهبه الطائفي، بحيث تصبح هذه الاختلافات روافد إثراء بتنوعها لنهر العروبة المتدفق، وليست حدود اقتتال ودم.

ومع تلاقي الروح العظيمة في كلتا الدولتين (الأردن والإمارات) وامتلاكهما لمشروع قومي يستند إلى تجارب وطنية تحترم الإنسان وتحافظ على حقوق المرأة استطاع هذا التحالف أن يشكل نقطة انطلاق لإيجاد محور عريض من الدول العربية التي تدرك أهمية نهوض مشروع عروبي يحول العرب من ساحة تتنافس عليها القوى الإقليمية إلى قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها في حسابات المنطقة.

ورغم مرور الأردن بظروف اقتصادية ومالية صعبة تعود في معظمها إلى أسباب خارجة عن إرادته، وبعضها بسبب بعض الأخطاء في إدارات الدولة المختلفة، فإن الأردن استطاع السير قدماً بمحاربة الفساد وإحالة كبار الفاسدين إلى القضاء، واستطاع تقديم حلول سياسية حقيقية توّجها بانتخابات نيابية نزيهة وذات إقبال انتخابي كبير، واستطاع أيضاً وبمساعدة دولة الإمارات العربية المتحدة الاقتصادية والمالية تجاوز عقبات صعبة، وهو ما يؤكد مدى عمق العلاقات بين الدولتين وأفق مستقبلها الاستراتيجي.