نموذج وقائي ... بقلم خيري منصور

نموذج وقائي	... بقلم خيري منصور
نموذج وقائي ... بقلم خيري منصور

عندما كتب تشومسكي لأول مرة عن مفهوم الدولة الفاشلة، لم يكن الفشل قد تضاعف في بعض الدول خلال عقد على الأقل بحيث أصبح يحتاج إلى تسمية أخرى، وبالفعل صدرت كتب بمختلف اللغات تحت عناوين مثيرة، منها انتحار دولة، والدولة المستباحة، وأخيراً الدولة التي تأكل نفسها، وهكذا تحولت بعض أشباه الدول التي تعيش باستراتيجية التسول فقط من وجبة إلى وجبة، وليس باستراتيجية طويلة الأمد تحول المستقبل إلى حليف لأجيالها القادمة، وليس إلى كمين إلى أمثولات أو نماذج سلبية ومضادة للوقاية خشية تكرار فشلها أو الإصابة بعدوى الفيروس الذي يفتك بها ويفقدها المناعة .

 

ومنذ نصف قرن، عرف هذا الكوكب نماذج من دول تنمو وتحقق الإمكانات الهاجعة فيها أرضاً وبشراً، مثلما عرف نمطاً آخر من دول مصابة بالأنيميا، لكنها تتكاثر وتتحول الديموغرافيا فيها إلى عبء على الجغرافيا والاقتصاد وحتى الهواء، لأنها لم تنج من التلوث والأوبئة .

 

ومثلما تحولت النماذج الأولى المعافاة إلى وَصْفات صحية قابلة للصرف والتأثر واختصار الوقت والجهد، تحولت النماذج الأخرى إلى حالات وبائية تُعْرَض على الناس كما تعرض الرئة المصابة أو الكبد المصاب بالتليف، وذلك على سبيل التحذير والوقاية .

 

في عالمنا العربي وباستثناءات قليلة تُوشك أن تكرس القاعدة، عرفنا نماذج لها ظاهر إعلامي مزخرف ومُضلّل، ولها باطن ينخر فيه السوس ويتفاقم فيه الداء .

 

وهكذا تضاعف المرض بسبب الخجل من الاعتراف به، وسمي بأسماء مخففة كي لا يفزع المصاب به، وكل من أسهموا في هذا التضليل اقترفوا جرائم كبرى، وهم أشبه بالأطباء الذين نكثوا بقسم أبوقراط وخانوا ضميرهم المهني مقابل استرضاء المرضى الذين يزعمون العافية ويتسترون على أمراضهم .

 

وباختصار كان هناك من النماذج من يعمل بلا كلل على مدار الساعة ويخطط لغده وما بعد غده، غير عابئ بنزاعات أو معارك صغرى مقابل نماذج حولت الوفرة في بلادها إلى شحة، والنعمة إلى نقمة، سواء كانت هذه النعمة موقعاً استراتيجياً أو كثافة ديموغرافية أو عراقة في التاريخ، والآن يجدر بنا جميعاً كعرب ألا نشعر بالحرج من تسمية الأشياء بمسمياتها بعد أن اتضح ميدانياً وبالمنتج البشري أن لدينا الآن نموذجين، واحداً يصلح للاستقراء والتعلم والتكرار، وآخر لا يصلح إلا كعيّنة مُجسّدة من الفشل والانتحار، وبذلك يتحول إلى أمثولة للوقاية، وقد نحتاج إلى قليل من الوقت كي نخرج من هذا التعميم والتجريد إلى المكاشفة، ذلك أنّ للفشل بقية، والانتحار لم يكتمل بعد