الضربة الجوية الإسرائيلية الجديدة على سوريا: سيناريو متجدد بظروف مختلفة فادي الحسيني

الضربة الجوية الإسرائيلية الجديدة على سوريا: سيناريو متجدد بظروف مختلفة    فادي الحسيني
الضربة الجوية الإسرائيلية الجديدة على سوريا: سيناريو متجدد بظروف مختلفة فادي الحسيني

الضربة الجوية الإسرائيلية الجديدة على سوريا: سيناريو متجدد بظروف مختلفة

فادي الحسيني

إن إختراق أجواء الدول، والتعدي على سيادة البلدان من خلال الضربات السريعة ليست علامة جودة إسرائيلة بحته، فتقوم بها عادة الدول الكبرى لتحقيق أهداف محددة وسريعة، دون الحاجة للخوض في مغامرات برية، مثل ما حدث حين قصفت الولايات المتحدة السودان وأفغانستان عام 1998 عقب إستهداف سفارتيها في نيروبي ودار السلام، وكذلك الهجمات الأمريكية المتكررة ضد عناصر القاعدة في اليمن وغيرها. وبمقاربة سريعة لتاريخ الضربات الإسرائيلية السريعة (Quick Strikes) والتي إعتمدتها ضد العديد من الدول العربية، نجد أن أبرزها ضرب المفاعل النووي العراقي1981، وضرب العديد من المواقع والقوافل العسكرية في السودان خلال الأعوام 2009،2011 ونهاية 2012، كما أنها قامت بضرب مواقع سورية خمس مرات خلال إثنى عشر عام فقط، وفي كل مرة، يحتفظ النظام بحق الرد، وهو ذات النظام الذي أسقط طائرة تركية منتصف العام المنصرم كانت تقوم بمهام إستطلاعية بالقرب من الحدود السورية في البحر المتوسط. ويستدعى هذا الأمر وقفة تحليلية عميقة لهذه الأحداث.

فلم يكد يمر وقت طويل على نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي طوت صفحة حكومة يمينية متطرفة بامتياز، وإستقدمت حكومة جديدة يتوقعها المراقبون معتدلة، وإذ بطائرات سلاح الجو الإسرائيلي (ف-15) تقصف موقع شمال غرب العاصمة دمشق. إسرائيل، والتي خففت من حدة إنتقادها للأسد ونظامه منذ إندلاع الثورة السورية، رفضت كعادتها- في مثل هذه الحالات- التعليق على الضربة، وهو الأمر "عدم التعليق أو عدم النفي المطلق" الذي يعني وفق الأعراف الدولية إعتراف ضمني أو دبلوماسي عن هذه العملية. بدورها إعتبرت روسيا أن هذه الضربة هي خرق فاضح لميثاق الأمم المتحدة (التي أدان أمينها العام بان كي مون الضربة)، وبذلك يسجل الموقف الروسي أقوى رد فعل على هذه الضربة، في الوقت الذي آثر فيه بقية اللاعبين الأقليميين والدوليين الصمت لأسباب عدة. التقارير الأمنية أفادت بأن الضربة الجوية استهدفتشاحنات تحمل اسلحة قرب الحدود اللبنانية، وهو يعني تخوف إسرائيلي من وصولها لحزب الله. وفي الوقت نفسه، إعترف النظام السوري بالضربة مؤكداً بأنها إستهدفت مركزاً علمياً في ريف دمشق. أما اللافت للنظر هو أن سوريا ومرة جديدة أكدت على حقها في الرد في الزمان والمكان المناسب!!!

وفقاً للخبراء العسكريين، تمتلك تركيا وإسرائيل أكثر القدرات الجوية تميزاً في منطقة الشرق الأوسط، ولدى طائرات البلدين قدرات عالية على التشويش على الرادرات، ولكن الدفاعات السورية إستطاعت من إسقاط الطائرة التركية في حين أخفقت في خمس مرات من إصابة الطائرات الإسرائيلية. ذهب بعض المحللين بعيداً لتبرير عدم قدرة سوريا إسقاط الطائرات الإسرائيلية المغيرة قبل بضعة أيام بإنشغال النظام في الحرب الداخلية الطاحنة، وهو تبرير يجانبه الصواب لسببين، أولهما أن الظروف التي أسقطت فيها سوريا الطائرة التركية لم تختلف كثيراً عن الظروف الحالية، وثانيهما أن سوريا لم تسقط الطائرات الإسرائيلية المغيرة قبل ذلك بسنوات (آخرها قبل عامين) حين لم تكن منشغلة بأية إضطرابات داخلية، وهي ذات الأنظمة الدفاعية التي تمتلكها حالياً.

ولكون هذه الضربة تأتي في ظروف جيوسياسية مختلفة عن سابقاتها، فإن أبعاد هذه الضربة يتطلب البحث في محددات القرار السوري، وخلفية صانع القرار في مثل هذه الظروف الجديدة، وخاصة مع فرضية أن قرار التصديأو إسقاط الطائرات المغيرة هو قرار سياسي وليس قرار عسكري ميداني يخضع لرؤية القائد المناوب. ومن هذه الرؤية وهذا المنطلق، تتشكل قراءتين واضحتين لخلفيات مثل هذا القرار. القراءة الأولى تتمثل بأن القيادة السياسية السورية تتعامل وفق فرضية إدراكية تتضمن معرفة حدود ردة الفعل التركية، التي لن تزج نفسها في أتون حرب غير محسوبة العواقب في ظل التعقيدات الإثنية والمذهبية الحالية، في حين تحسب ألف حساب لردة فعل إسرائيلة محتملة، وهو الأمر الذي سيعني حرب مكشوفة بين الطرفين في حال أسقطت الطائرة الإسرائيلية. وعليه، فإن القرار السياسي للنظام السوري هو الانتظار بدل الدخول في مغامرة مع طرف جديد، قد يعجل في سقوط المنظومة السورية الحالية بأكملها.

أمّا القراءة الثانية فتبنى على فرضية أن قرار عدم إسقاط الطائرات الإسرائيلية المهاجمة يتكيف وفق رؤية صانع القرار السوري، حيث يرى أنه ووفق الظروف الإقليمية الحالية، وصعوبة وحساسية الأوضاع الداخلية، يجب دراسة أي فعل أو تحرك ضد العناصر الخارجية بشكل دقيق. ومن هذا المنطلق، فيكون النظام السوري قد حافظ على ورقة الرد على الهجوم الإسرائيلي ككرت أخير في حال تأزمت أوضاعه الداخلية أكثر. وبمعني آخر، فإن النظام السوري أجّل الرد على هذه الضربة، تحضيراً لرد مناسب، يقوم من خلاله بالتنفيس عن ضغوط متوقعة عليه في القريب العاجل. وهو تكتيك سياسي أكثرمن كونه عسكري، وليس جديد حيث قام به الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حين قصف إسرائيل خلال حرب الخليج، في محاولة لتنفيس الضغط الداخلي، ومحاولة زج أطراف جديدة في المعركة لتعقيد الحسابات، وتشتيت التركيز والضغط عنه.

ويمكن القول، أن الخاسر الرئيس حتى الآن هو العنصر العربي والمسلم بمكوناته المختلفة، فمازالت المقدرات البشرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجمهورية العربية السورية تهدر يوماً بعد يوم، حيث لم تقرر بعد القوى العالمية حسم الأمر في سوريا، ليستمر نزيف الدم وإهدار المقدرات- تماماً كما حدث حين تباطأت ذات القوى الكبرى في التحرك لوقف مذابح مسلمي البوسنة في تسعينيات القرن الماضي. وبدأت الثقافة العربية تخلو من مفهوم الردع العربي، وقيمة المواطن العربي أينما كان، كما تشوه المكون الإدراكي لدى الشعوب العربية، بحيث أصبح من المعتاد قيام إسرائيل أو أي دولة غربية بالتعدي والهجوم على دولة عربية، ومسلمة دون أن التوقع بوجوب رد أو عقاب للمعتدي. أمر مرير في وقت عصيب، وخاصة حين يستذكر المرء تاريخ أمة عربية مسلمة عريقة، إمتلكت ووزانت بين القوة والعدالة حيث تفتقد في هذا الزمان، حين كانت الأولوية لكرامة أبناءها أن تصان، وتستنصر من يطلب النصرة أينما كان، وتردع الأعداء كائناً من كان، لتضحي ثقافة الكرامة والعزة والقوة في عقول وقلوب إبنائها فكراً وعقيدة وإيمان.

02 شباط 2013