لاتدعونا نذرف الدموع / بقلم طلال عوكل

لاتدعونا نذرف الدموع / بقلم طلال عوكل
لاتدعونا نذرف الدموع / بقلم طلال عوكل

لاتدعونا نذرف الدموع / بقلم طلال عوكل

مؤسف أن يجد المصريون أنفسهم أمام هذا الانقسام الحاد الأوضاع التي تمر بها "أم الدنيا" تثير الكثير من القلق لدى كل عربي، ولدى كل فلسطيني على وجه الخصوص، فهي دليل الأمة وقلبها النابض، وهي حصنها، الذي لا يُدانيه حصن آخر على امتداد الوطن العربي الكبير.

وحتى لا نفهم على غير قصد فإنها أي مصر بالتأكيد غالية على قلوب المصريين، كل المصريين مهما اختلفت مشاربهم الفكرية والسياسية، وربما لأنها كذلك يصح فيها قول من قال من الحب ما قتل، آملين ألا يتحول الحب إلى عملية قتل ودمار.

منذ عامين، حين قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير، والعيون شاخصة نحو النموذج الذي قدمته الجماهير المصرية وقواها الحية في إطار عملية التغيير التي كانت أكثر من ضرورية، فلقد حصلت عملية التغيير عموماً دون دماء كثيرة ودمار كبير، كالذي تعاني منه بعض الدول العربية، وإن كنا لا نقلل أبداً من قيمة الشهداء والجرحى ولا من قيمة الآثار الاقتصادية والاجتماعية على مختلف القطاعات التي تعاني أزمات حادة. الوضع في مصر لا يسرّ صديقاً ولا يغيظ عدواً، فالعدو الإسرائيلي، بدأ يتحدث عن انهيار مصر ويشبّه أوضاعها، بالدولة العثمانية، التي وصفت بالرجل المريض، العدو الإسرائيلي كالغراب ينعق في صحراء تمنياته بأن تلحق مصر بسورية التي تتعرّض لدمار شامل، مهما كانت نتائجه، فإنها ستفضي إلى إضعاف دور سورية في الصراع ضد الاحتلال ومن أجل استعادة الأراضي المحتلة.

في الواقع، فإن ما يجري في مصر بداية لا ينطبق عليه قول الشاعر أحمد شوقي حين قال: "وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق"، فلقد كان يقصد، أن حرية الشعوب من مستعمريها تتطلب نضالاً وتضحيات كبيرة، وتستحق أن تبذل من أجلها الدماء.

سنتان منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، فيما المشهد اليومي للحركة السياسية والجماهيرية، يفيد بأن ثمة ثورة على الثورة، أو أن ما يجري هو استرداد للثورة، التي اختطفها الإخوان المسلمون على حد تعبير وتقييم بعض القيادات السياسية المصرية.

مؤسف أن يجد المصريون أنفسهم أمام هذا الانقسام السياسي والاجتماعي الحاد، والذي يتزايد عمقاً يوماً بعد الآخر، ويتخذ طابعاً عدائياً، وتتخلله مواجهات دامية بين أهل الثورة الأولى.

مصر تعيش معركة حقيقية تتسع ميادينها يوماً بعد الآخر، وتتنوّع أدواتها وآليات تصاعدها، وتطول قائمة ضحاياها من الشهداء والجرحى، ولا تبدو أنها مقبلة على حلول عقلانية تستند إلى القانون، الذي يفخر المصريون بتراث أهله من القضاة والمستشارين والمحامين. ثمة حاجة للحكمة، وليس للعناد، ومواصلة اتخاذ المزيد من الإجراءات، والقرارات والقوانين، التي تصب الزيت على نار الأزمة، لقد كان غريباً أن تصل الأمور إلى حد أن يعلن الرئيس محمد مرسي حالة الطوارئ في مدن المقاومة الشعبية التي وقفت في وجه العدوان الثلاثي الغاشم عام 1956، ولست أدري إلى أي مدى يمكن أن يصمد الحكم في وجه التحدي السافر والقوي الذي يظهره أهالي بورسعيد، والسويس، والإسماعيلية، أم أن هذا "الصمود"، قد يؤدي إلى فرض حالة الطوارئ في مدن ومحافظات أخرى؟ لقد رفض الشعب المصري، سياسات القمع والاستبداد، ورفض الشعب هيمنة الحزب الواحد على الحياة السياسية، فلماذا يكرر الرئيس مرسي التجربة التي رفضها وقاومها وثار من أجلها هو وحزبه، وبقية الأحزاب والحركات المصرية؟ وفي الأصل كان من المعروف، أن الرئيس مرسي وجماعة الإخوان بصفة عامة، ما كان لهم أن ينهضوا بوضع مصر، وأن ينقلوها من حال الاستبداد إلى حال الديمقراطية والشراكة، والعدالة الاجتماعية، بأدوات النظام السابق وبقيمه وقوانين وآليات النظام السابق، ولكن النهوض بمثل هذه المهام العظيمة التي، بشرت بها ثورة الخامس والعشرين من يناير، كانت يستدعي الشراكة، وإدارة الوضع بجهود كل المصريين، وبتوافق كل القوى والمكونات الاجتماعية والسياسية. والحقيقة أن الإخوان حاولوا الاستفراد بالسلطة، وأقدم الرئيس مرسي على إجراء تغييرات واسعة، شملت الجيش وأجهزة الأمن، والداخلية، والمحافظين، والقضاء، إلى أن اشتكى من ذلك، حلفاؤهم السلفيون. مصر اليوم على مفترق طرق، نتمنى أن تقودها القوى السياسية، إلى الاتجاه الأسلم الذي يحفظ مصر، ويضعها على سكة التطور والتقدم والديمقراطية، وبناء دولة المواطنة، دولة العدالة الاجتماعية وسيادة القانون.

هذا يتطلب وقفة موضوعية من قبل الرئيس مرسي، وقيادة الإخوان المسلمين، تقودهم إلى التدقيق فيما وصلت إليه إجراءاتهم وقراراتهم، ونحو تغيير قواعد العمل والحكم، بما يؤدي إلى تصحيح مسار الثورة، حتى لا تنزلق الأوضاع إلى هاوية الدمار الذاتي.

لا يمكن لسياسة عليّ وعلى أعدائي، وإما نحن أو هم، لا يمكن لسياسة الإقصاء، والتكفير، أن تنتج وضعاً سليماً.

لقد خسر من راهن على ضعف وتشرذم القوى الديمقراطية والوطنية والقومية واعتقد أنها غير قادرة على تجنيد قوة كامنة للتصحيح، فقد قدمت هذه القوى للقوى العربية ومنها الفلسطينية دروساً في الوطنية، ودروساً في التنظيم، وفي الدفاع عن الحقوق وعن مستقبل مصر.

وخسر، أيضاً، ويخسر من راهن ويراهن على دعم وتأييد القوى الخارجية، وتحديداً على الولايات المتحدة، لكي يضمن لنفسه السيطرة والمواصلة، فالولايات المتحدة مستعدة للتخلي حتى عن أقرب حلفائها، كما فعلت مع النظام السابق، وليس لها ديون ولا دين إلا مصالحها. مصر غنية بحكمائها، وغنية بطاقاتها الفكرية والثقافية والسياسية، وغنية بتجربتها وتستطيع تجاوز الأزمة، شرط أن يتجاوز كل طرف، عناده، ومخططاته ورؤاه الخاصة.

إن استمرار الوضع الحالي الذي يتجه نحو المزيد من التدهور، قد يدفع البلاد إلى الاستنزاف الذاتي، الذي يضعف الجميع، ويخسر جراءه الجميع، ويفتح الباب أمام التدخلات الخارجية التي قد تتوافر لديها بدائل عن القوى السياسية والمجتمعية التي تتحرك في الشارع.