عارٌ اسمه “الطوارئ” / بقلم محمد عبيد

عارٌ اسمه “الطوارئ” / بقلم محمد عبيد
عارٌ اسمه “الطوارئ” / بقلم محمد عبيد

عارٌ اسمه “الطوارئ” / بقلم محمد عبيد

استمرار وتمديد فرض حالة “الطوارئ” في تونس، منذ أسقطت الاحتجاجات الشعبية العارمة النظام السابق، والعودة إلى فرضه في مصر التي أسقطت نظامه الوارث لتقاليد القمع وتكميم الأفواه، لا يمكن إلا أن يشكلا “وصمة عار” في جبين النظامين الجديدين  القديمين، اللذين عجزا عن التعاطي مع الحالة الناشئة عن رحيل نظامين تسلطيين فاسدين، أو استمرآ استخدام أدواتهما في مواجهة المطالب الشعبية .

ما الحاجة الملحة التي تستدعي من النظام المصري فرض حالة الطوارئ؟ وما الضرورة التي تفرض على الجار التونسي “المؤقت” حتى الآن، تمديدها؟ ولماذا يقفز الساسة في البلدين هذه القفزات في الفراغ، هاربين إلى الأمام، من مطالب شعبية، واستحقاقات فرضتها الثورة؟

واقع الأمر في تونس لا يختلف كثيراً عنه في مصر، إلا أن الفارق واضح، ففي الأولى يمسك زمام الحكم رؤساء انتقاليون أو مؤقتون، ما يعني أن تونس لم ترسُ بعد في ميناء الدولة الجديدة، رغم مرور أكثر من عامين على رحيل النظام السابق، وفي مصر يستحكم نظام يحاول الاستفراد بالدولة، وسط عدد كبير من المبادرات التي تنطلق من هنا وهناك لحل الأزمة، وليس آخرها مبادرة الأزهر الخميس الماضي .

إذا كانت الثورتان في تونس ومصر، ولهما صدارة في الواقع العربي الحالي، كونهما نبعتا من الداخل وتم خوضهما من الداخل، ورفض الداخل أيضاً في كليهما، جميع محاولات الاختراق الخارجية والإقليمية، ومنع أي تحوير للثورة السلمية إلى حرب أهلية طاحنة، تهدد أمن واستقرار البلاد، وتضعها في مهب ريح المجهول، إلا أن الواقع الحالي يهدد الحالتين بالتحول إلى مجال خصب للتدخل، وهذا ما لا يجب أن يكون .

لكن واقع الأحوال في البلدين ضبابي بعض الشيء، ويبدو أن ما يزيده ضبابية أيضاً حالة الاستعجال والتسرع المشتركة من جميع عناصر المشهد السياسي، فالأحزاب المتنفذة في البلدين تتعجل فرض سيطرتها على مختلف مفاصل الحكم، والشعبان يستعجلان ظهور علامات التغيير الذي قادا احتجاجاته، والخارج الإقليمي والدولي أيضاً يستعجل إنهاء التحول إلى الديمقراطية .

وفي كل الحالات فرادى أو مجتمعة، لا يمكن إلا التحذير من هذا الكم الهائل من الاستعجال، وما سينتج عنه من وضعيات غريبة أو طارئة أو غير مرضية لفئات كبيرة، ما يعني خطراً محدقاً بالبلدين يتمثل في استمرار حالة انعدام الاستقرار، والاشتباك المتواصل بين أغلبية انتخابية يعرف الجميع تفاصيل وحيثيات تحولها إلى أغلبية، وأغلبية شعبية صامتة تكاد تخرج عن صمتها .

في كل الحالات، لا يجب التذرع بالتوتر لاستنساخ نماذج القمع، ومن غير المقبول أن يسمح شعبان أثبتا سلمية ثورتيهما، لعدد من العابثين بقيادة زمام المبادرة، فهذا سيجعل من مطالبهم المشروعة مجالاً للتشكيك والاتهام، فينقلب الحق الذي يطالبون به، إلى سياسة قمع وتكميم أفواه تحاصرهم باسمه .

العار المسمى “حالة الطوارئ”، لا بد أن يزال، فمثل هذه الحالة التي تعلنها الدول في حال وجود خطر داخلي أو خارجي محدق، يهدد أمنها واستقرارها وسيادتها، لا يمكن أن تستخدم أداة للتسلط وإسكات المعارضين واستعراض العضلات .