عندما تتحدث إنسانية الإمارات عن نفسها / بقلم مهرة سعيد المهيري

عندما تتحدث إنسانية الإمارات عن نفسها / بقلم مهرة سعيد المهيري
عندما تتحدث إنسانية الإمارات عن نفسها / بقلم مهرة سعيد المهيري

عندما تتحدث إنسانية الإمارات عن نفسها / بقلم مهرة سعيد المهيري

من المعلوم بداهةً، أنه عندما تتحدث الأفعال عن نفسها بنفسها، فإنّ الخطابيات تنزوي في رُكنٍ بعيد بعد أن تُصبح إنشائياتها ردحاً لا خانة له من الإعراب، ولا قَدْر له من القيمة، وعندما يتسابق البعض في استعراض بطولاتٍ ورقية لا برهان لها سوى الادّعاءات الفارغة والتطبيل الإعلامي الممجوج، والذي أصبح مكشوفاً لكثرة سقطاته وتعدّد تخبطاته، يكون الصوت الأعلى والأبقى لمن آثر العمل وقدّم الفعل، وترك الصراخ والعويل لأصحابه!

في عالم محموم بالتباكي على الحقوق المضاعة للشعوب، وبرامج تلفزيونية لا تهدأ وتيرتها لحظةً واحدة، وهي تنادي بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم يقتفِ البشر ما تنادي به وتدعو إليه، رغم أنها لم تجلب على طاولات الجدل العربي البائس إلا كل نطيحةٍ ومتردية مهما حاولت الألقاب التي تسبق الأسماء أن تضيف قيمةً عليها، ثم لا تلبث أن تذهب تلك القيمة أدراج الرياح، بعد أول جملةٍ ينطق بها ذلك المحلل السياسي كما يُدعى!

في كل هذا العالم المزايد على حقوق البشر والمتاجر بلُقمة عيش الفقراء لم تقف بشجاعة لتضع الفعل قبل إنشائيات "الربيع" مثل دولة الإمارات وقيادتها الحكيمة، ففضلاً عن قوافل الإغاثة التي لم تتوقف لأي دولةٍ منكوبةٍ بَعُدَت أم قَرُبَت من أراضينا، وسواء شاركتنا المودّة أم ناصبتنا النفور من جانبها لا جانبنا، فإن أيادي الإمارات البيضاء لم تنقبض وعطاياها لم تحجبها أخطاء الآخرين بالأمس، فإنسانيتها تنبع من روحها وتحيا على نقاء قيمها الأصيلة، ليست معطفاً تتزيّن به من أجل أغلفة المجلات، أو قناعاً ترتديه لجلب أضواء عدسات الإعلام، ومنذ بدايات محنة إخوتنا السوريين لم تتوان الدولة لحظة في إرسال المعونات الغذائية والطبية والاحتياجات الضرورية بدعم تامٍ من القيادة الرشيدة، والتي تستلهم روح زايد في نشر الخير على من حولها، وفي المسارعة لمد يد العون لكل محتاجٍ ضاقت به السبل وتنكّر له الآخرون!

لم يكن حضور «بوخالد» لقمّة المانحين، والتي عقدت بالكويت منذ أيام كغيره من الحضور، بل كان حضوراً مجلجلاً بوقفةٍ ليست بغريبة على نجل المغفور له الشيخ زايد طيب الله ثراه، وهو يهيب بالعالم أن يقف "فعلاً" أمام تلك الجرائم التي لم تتوقف وتيرتها على التراب السوري أمام تقاعس عالمي غريب، واكتفاء ببيانات الشجب والتنديد، والتي لم تزد النظام الدموي هناك إلا جرأة وتمادياً في سفك دماء الأبرياء، فما يجري كما قال سموّه من "دمارٍ يومي يتعرض له البشر والحجر، يهز المشاعر الإنسانية، ويضع الضمير الإنساني العالمي أمام تحد كبير"، ووجّه حديثه للمجتمع الدولي بأسره ليؤكد: "أن المحنة التي يتعرض لها المدنيون في سوريا تضع المجتمع الدولي أمام مســؤولية شرعية وإنسانية وأخلاقية، ويتوجب عليه عدم البقاء مكتوف الأيدي في تأمين الحماية التي يستحقها المدنيون السوريون"، فسموّه لم يقل أمام جرائم أو مجازر، لأنه عَلِم بأن الرد سيكون مزيداً من الشجب والاستنكار، ومزيداً من التفاعل السلبي، بل أكّد على كلمة "مسؤولية" حتى لا يتملّص منها المجتمع الدولي بتلك البيانات الصحفية الباردة ، فما يحدث مسؤولية الجميع، وعليهم الوقوف بحزم لإيجاد حلٍ فوري لها.

هذا وقد أعلن سموّه تقديم دولة الإمارات مساعدات مالية قدرها 1,104 مليار درهم لدعم الشعب السوري المنكوب، في وقفةٍ معتادة لإمارات الخير وقيادتها التي لم تحصر الخير فقط في حدودها الجغرافية، بل سعت وستبقى منارةً للخير وكفّاً بيضاء لا تنتظر عطاء في المقابل، فكان الإنسان ولا يزال محور اهتمامها دون التفاتٍ لفروقات عرقٍ أو لونٍ أو مذهب، ودون مزايدات أو أجندات خفية تتحالف مع شظف الدنيا ومصائب الحياة على الشعوب المطحونة، ولم تُقدّم الدولة دريهمات قليلة من أجل "طرح العتب"، بل كان العطاء سخياً كالعادة، ولحظياً دون تسويقٍ مسبق وتمنّن في غير محله، كما يفعل البعض!

وقفة «بوخالد» وموقف الإمارات في تلك القمة كانت رداً جديداً على تلك الأقاويل الآثمة التي حاولت كثيراً النيل من سمعة الدولة والإساءة لها دون وجه حق، بل ودون حياء أو بقايا مروءة، وحاولت ترويج ملفات مشبوهة لحقوق الإنسان، رغم أن التزام الإمارات بحقوق الإنسان على أراضيها هو التزام ديني وأخلاقي، وتعبير عن تصور المجتمع لرسالته الحضارية، كما أكّدت ذلك الدولة في عرض تقريرها على مفوضية منظمة حقوق الإنسان الدولية، الذي وضح فيه تطوير الآليات المستخدمة لهذا الجانب، وفقاً لمتطلبات المنظمة، وتم إنجازه بالتعاون مع الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني وجمعيات النفع العام، وأكدت الدولة سعيها المتواصل لتعزيز الأُطُر المؤسسية، والتي من شأنها ومن خلالها فقط يمكن تعزيز حقوق الإنسان، وليس من خلال مزايدات أو اتباع وسائل ضغط وليّ ذراع لا ترتضيها أيّة دولة صَغُرَت أم كَبُرَت!

الإمارات لا تحاول دغدغة عواطف وإلغاء منطقٍ في المقابل، بل في كل مسارها تحاول أن تكون واضحة الاتجاه، سليمة الأساس، موفورة الوسائل والممكنات، وسامية الأهداف والغايات، فالواقع والمنطق والحَكَم المحايد يقول بأنّ الإمارات هي الأولى عربياً والـ30 عالمياً في مؤشر التنمية البشرية لعام 2011 ، و38 عالمياً في مؤشر تمكين المرأة ، و27 عالمياً في مؤشر الشفافية ومكافحة الفساد، والأولى عربياً و13 عالمياً في مؤشر سيادة القانون وشفافية النظام القضائي وفق برنامج العدالة الدولية 2011 ، والأولى عربياً في مؤشر المساواة بين الجنسين، والذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي 2011 ، الأمر الذي يُعَد بياناً جلياً من منظمات عالمية رسمية ومستقلة على الجانب الحقيقي المشرق للدولة، بعيداً عن مصادر (سمعنا) و(يقولون)!

إنّ الاستقبال اللافت والرفيع لسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في الكويت من قبل أميرها، وذلك الارتياح الشعبي لتلك الزيارة كان يحمل الكثير من الدلالات على عمق العلاقة بين الشعبين وتقارب الرؤى بين القيادتين، وأنّه في لحظات القلق والترقب يلتفت الخليج لقاماته الكبار وأسماء بعينها من قاداته لتربت على كتف المكلوم وتهدئ من روع الخائف، وتأخذ بيد المشتّت وتعيد الأمور لنصابها الصحيح والقافلة لمسارها الصائب، وهكذا هو بوخالد. وهكذا هي روح زايد رحمه الله، روح تبذر الخير، وتفتح شبابيك الأمل، وتقف وقفة الرجال عندما تختلط الأوراق وتَفْرق القلوب.

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

مهرة سعيد المهيري

كاتبة إماراتية