أسرار المعابد... بقلم خيري منصور

أسرار المعابد... بقلم خيري منصور
أسرار المعابد... بقلم خيري منصور

 

أسرار المعابد... بقلم خيري منصور

هناك كتب تصدر في أوانها فتحظى بانتشار واسع ويعاد طبعها مرات عدة في أشهر قليلة، مقابل كتب قد لا تنفد طبعتها الأولى المحدودة بعد أعوام، خصوصاً في غياب عادة القراءة كما تقول تقارير التنمية البشرية . وكتاب “سر المعبد” لمؤلفه ثروت الخرباوي واحد من الكتب المحظوظة في الانتشار والتعليقات، لأن مُؤلفه من القيادات السابقة للإخوان المسلمين في مصر، وقد قرّر مغادرة الإخوان والتفرغ لكشف ما كان مستوراً في عوالمهم الداخلية . ولأننا هنا وفي هذا المقام لسنا معنيين بتقديم ملخصات لكتب، فإن ما يدعونا إلى التوقف عند كتاب بعينه هو وجهة النظر الشاملة المبثوثة بين سطوره، وبقدر ما يثير هذا النوع من الكتب من العواصف يبقى بانتظار الحكم على صحة أو خطأ ما ورد فيه من معلومات تبعاً لقرائن ومقاربات نقدية منهجية .

ينقل مؤلف الكتاب والقيادي السابق في جماعة الإخوان في مصر عن المرشد العام محمد بديع قوله بأن الخبرة والعلم ليسا الأمر الحاسم في القرارات، ويضرب مثلاً قوله عن سيدنا نوح بأنه لم يكن نجاراً، وبهذا المعنى يصبح الاقتصادي والسياسي وحتى العسكري ليس بحاجة إلى إعداد أو خبرة وتعلم ما دامت المسألة كلها منوطة بالنوايا، لكن هذه الرؤية تبقى في نطاق تجريدي وكأن المطلوب من المشتغلين في الشأن العام أن يتوكلوا فقط دون أن يعقلوا ناقة أو جَمَلاً . وغياب الخبرة بحد ذاته أمر فيه نظر، لكن التبشير بتغيب الخبرة هو الأمر الجلل في هذا السياق، خصوصاً عندما يكون الاحتكام إلى الرأي الواحد والذهاب بالقول الأسبارطي الشهير إلى مداه، وهو نَفذ ثم نَفّذ فقط أما المناقشة فهي خارج هذا المدار المغلق .

وليس كتاب “الخرباوي” هو الأول من نوعه في تراث سياسي وحزبي يستهدف الكشف والاعتراف، ففي خمسينات القرن الماضي وستيناته وفي ذروة الحرب الباردة صدرت كتب عديدة عن أعضاء بارزين، منهم قياديون في أحزاب عدة كانت أقرب إلى إعلان التوبة والانسحاب من تنظيمات قال من غادروها إنهم تورطوا، فعن ذكرياتهم وكشفهم للمستور في الأحزاب الشيوعية مثلاً صدرت كتب منها بالعربية كتاب قدري قلعجي وذكريات بدر السياب التي نشرت تحت عنوان “كنت شيوعياً” وكذلك ما كُتب بالانجليزية ككتاب ارثر كوستلر وغيره، وثمة كتب صدرت عن قادة في حزب البعث منها ما كتبه المفكر مطاع صفدي والراحل منيف الرزاز عن التجربة المرّة في الحزب .

أهمية هذه الكتب أنها تشهد من الداخل على تجارب سياسية وأيديولوجية وإن كان مؤلفوها غالباً ما يتعرضون للتكذيب من رفاقهم القدامى، فقد عوقب روجيه جارودي إثر استقالته من الحزب الشيوعي الفرنسي وأصدر كتاباً عن محاكمته الشهيرة بعنوان “المسألة كلها” .

الخرباوي لا يدّخر شيئاً مما سماه “سر المعبد”، سواء من حيث طبيعة التنظيم الإخواني وأدبيات العضوية والعنف، أو من حيث ربط الماضي بالراهن .

إن للمعابد أسرارها، لكن للأحزاب الموغلة في السرية ما يتخطى الأسرار إلى التخدير .