ضرب من العدمية ... بقلم محمد عبيد

ضرب من العدمية  ... بقلم محمد عبيد
ضرب من العدمية ... بقلم محمد عبيد

ضرب من العدمية  ... بقلم محمد عبيد

التهديد الذي وجهته أحزاب مصرية معارضة ممثلة في جبهة الإنقاذ الوطني، بمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة، في حال لم يستجب الرئيس المصري محمد مرسي لمطالبها المتمثلة بتعديل الدستور، وتشكيل حكومة إنقاذ، وإزالة العدوان على السلطة القضائية، وإقالة النائب العام، وإخضاع جماعة الإخوان المسلمين للقانون، يحمل في طياته ضرباً من العدمية .

 

ولا يعني ذلك بالضرورة أن سياسات الحزب الحاكم ورئيس الدولة لا تخلو من عدمية بدورها، إذ تصرّ الأغلبية الحاكمة ومرسي وحلفاؤهما على تصوير الأوضاع والاحتجاجات والمطالب الشعبية التي تتحول - للأسف - في بعض الأحيان إلى مواجهات توقع ضحايا، على أنها جرائم يجب ملاحقتها، ومحاسبة المتورطين والمسؤولين عنها .

 

حالة عدمية ثنائية، لا تنم إلا عن عجز يتغلغل في الطرفين، والشارع، أو الأغلبية الصامتة، آخر ما يمكن الالتفات إليه، وفي ظل هذه الحالة، لا بد من الإقرار بأن الوضع لا يشي بإمكان حدوث تغير يذكر على المدى القصير، وقد يمتد إلى المدى المتوسط .

 

الحالة في مصر مزيج مليوني العناصر، كما هي الاحتجاجات الشعبية، وفي خضم هذا المزيج المتضارب، تبرز الأخطار، وأكثر من خطر محدق، أكبرها التي تهدد النسيج المجتمعي بالتمزيق، وأهمها التي تلوّح بإدخال الساحة إلى مزيد من التصعيد الميداني الذي بدأت معالمه بالبروز منذ مدة، وأخذت صوره أكثر تجلياً في ما يسمى “البلاك بلوك”، المجموعات الملثمة المتشحة بالسواد التي تنتهج أسلوباً عنفياً متطرفاً في مواجهة النظام الحاكم .

 

المحاذير أكثر بكثير من مؤشرات رأب الصدوع الكثيرة التي تعتري الحالة المصرية الراهنة، ومرد ذلك انحياز مختلف الأطراف في السلطة بشكل أساسي إلى الخطوات والسياسات الأحادية، والعمل القائم على قدم وساق على منح حصانة غير مشروعة لجهات مثل الرئاسة أو مجلس الشورى، ومنح صلاحيات وتنازع أخرى، في سياق سلب وتقييد وإلغاء مبدأ فصل السلطات .

 

الوضع الراهن في مصر يشي بمزيد من التصعيد، وهذا لن يمر من دون ثمن، تدفعه البلاد من دماء أهلها ومقدراتهم وثرواتهم، ولن يمر من دون توسع الشرخ القائم بين السلطة والمعارضة، والمطلوب البحث عن وسائل لتهدئة الشارع أولاً، بدلاً من العمل بقصد أو من دون قصد على تأجيج الخلافات، ووضعها في إطار الاشتباك المباشر، ما يخرج ثورة 25 يناير عن سكّتها السلمية، ويضعها على سكة أخرى غير محمودة العواقب .

 

إنها الفرصة الذهبية للعديد من قوى رأس المال، والقوى الأخرى المخترقة من جهات إقليمية ودولية عدة، لإبقاء مصر في حالة انشغال دائم دامٍ بالداخل، وتحييدها عن العديد من الملفات والاستحقاقات الداهمة في محيطها، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وهو من ناحية أخرى محاولات لإعادة البلاد إلى عصر تسوده لغة البلطجة ولا تجد مكاناً فيه لأصوات العقلاء .

 

العدمية التي تصبغ سياسات النظام، وبعض مطالب المعارضة، ستطيل أمد هذه الفوضى، ولن تخرج مصر منها إلا منهكة القوى، وبحاجة إلى إنعاش سريع، ولذلك لا بد من التعاطي بمسؤولية وروح وطنية تحيّد مصالح الجماعة والحزب الحاكم، والالتقاء مع المطالب الشعبية ومطالب المعارضة، من خلال الحوار المنفتح والعقلاني لا التمترس وراء أحاديث مفرغة عن الأغلبية والديمقراطية